معه لشدة حرصه عليه، ومنها أنه لما مرض صلّى الله عليه وسلم قام مقامه في الإمامة بأمره صلّى الله عليه وسلم مما يدل على تفضيله على سائر الأصحاب، ومنها أنه ثانيه في تربته صلّى الله عليه وسلم لأنه دفن بجانبه وفي هذا دليل على فضله أيضا، ومنها أن الله تعالى نص على صحبته دون غيره بقوله جل قوله (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا) الآية الآنفة الذكر من التوبة، ومنها أن الله تعالى كان ثالثهما، ومن كان الله معه فهو كاف على فضله وشرفه على غيره، ومنها إنزال السكينة على أبي بكر واختصاصه بقوله تعالى (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) الآية المذكورة أيضا، قال ابن عباس المراد أبو بكر لأن النبي صلّى الله عليه وسلم كانت عليه السكينة من قبل ذلك. هذه نبذة قليلة من فضائله رضي الله عنه قال الأبوصيري:
وما حوى الغار من خير ومن كرم ... وكل طرف من الكفار عنه عمي
فالصدق في الغار والصديق لم يرما ... وهم يقولون ما في الغار من أرم
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على ... خير البرية لم تنسج ولم تحم
وقاية الله أغنت عن مضاعفة ... من الدروع وعن عال من الأطم
هذا وبعد أن بقي النبي صلّى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار ثلاثة أيام بلياليها لا حامي لهما إلا الله ولم تترك قريش محلا إلا دخلته تفتش عليه، وكان أبو بكر منذ أخبره حضرة الرسول بإذن الله بالهجرة ووافق على استصحابه معه استحضر راحلتين ليركبا عليهما وصار يعلفهما، وقيل أن يذهبا إلى العار استدعيا رجلا من بني عدي وسلماهما إليه وأمراه بإكرامهما، وواعداه أن يحضرهما إليهما بعد صبيحة ثلاث إلى الغار، وفي الوقت المذكور أتى بهما إليهما فخرجا من الغار والناس نيام بعد والعيون منقطعة، فركب كل منهما واحدة واستصحبا الديلى دليلا ومشيا على بركة الله قاصدين المدينة، كما جاء في الحديث الصحيح الذي هو من إفراد البخاري المروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين الإسلامي، ولم يمر علينا يوم إلا ويأتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا نحو الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد (بفتح الراء وكسر الغين موضع بينه وبين مكة خمس ليالي مما يلي البحر لأن طريقهما كان على الساحل)