بين شبان قريش الذين كانوا سالين سيوفهم ليقتلوه عند خروجه فلم يتعرض له أحد منهم لأنه بحجاب من الله تعالى الذي معه في كل أحواله، ولكن ما كانت الهجرة إلا تنفيذا لما هو في علم الله ولأن خير الإسلام وأهل مكة متوقف عليها، راجع الآية ١٠٣ من آل عمران ج ٣، كما أن ما قاله بعض من لا خلاق له في الدنيا ولا نصيب في الآخرة ولا حظ له عند الله تعالى من أن حضرة الرسول إنما استخلف عينا على فراشه ليقتله شبان قريش المحيطون بداره ويتخلص منه، وان سبب مصاحبة أبي بكر له ليكيده به، ما هو إلا قول زور وكذب وافتراء وبهت غني عن الرد، إذ لا يصدقه عاقل ولا يقول به جاهل كيف وهو ابن عمه ووزيره ووصيه وصهره وسيفه وعدته للنوازل، وهو منه بمنزلة هرون من موسى، قاتل الله صاحب هذا القيل ومن يصغي إليه، وما هو إلا ناشىء عن محض عداء وخالص فتنه من قلب ضال ولسان مضل، أبعده الله في الدنيا عن الصواب، وشدد له في الآخرة العذاب، وأهانه بالهوان يوم المعاد (ومن يضلل الله فماله من هاد) . هذا والله أعلم وأستغفر الله العظيم.
ثم الجزء الثاني من هذا التفسير المبارك، وهو يحتوي على ست وثلاثين سورة من القرآن العظيم، أو لها يونس وآخرها المطففين، وقد أثبتناها بحسب نزولها الذي استفرق ثلاث سنين وسبعة أشهر وثلاثة عشر يوما، وذلك من ٢٧ رجب سنة ١٠ من البعثة إلى ربيع الأول سنة ١٣ منها، فيكون مدة نزول القسم المكي من القرآن العظيم عدا الآيات المدنيات منه اثنتي عشرة سنة وخمسة أشهر وثلاثة عشر يوما، وثلاثة أيام، باعتبار أول النزول في ١٧ رمضان سنة ٤١ من ميلاده الشريف والأظهر في ٢٢ منه. ويليه القسم المدني أوله سورة البقرة، وآخره سورة النصر.
والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا. وقد وقع الفراغ منه يوم السبت ١ رجب سنة ١٣٥٧ الموافق ٢٥ آب سنة ١٩٣٨ وبهذا التاريخ نفسه صار البدء بالجزء الثالث، ومن الله العناية والتوفيق، والهداية إلى أقوم طريق، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.