باللفظ الطويل ولا يمكن للبشر أن يسقط منه حرفا واحدا لأنه قد يخل في المعنى، ثم يعيدها باللفظ الوجيز، ولا يستطيع البشر أن يزيد حرفا واحدا فيه ولا يخل بالمعنى الأول، وهكذا جميع القرآن لا يقبل زيادة حرف ولا نقصه، وان أساليبه تفارق أساليب الكلام، وأوزانه تخالف أوزان الشعر، ونظمه يباين نظم الخطب والرسائل، فقد جاء على أسلوب بديع ونظم عجيب، ولهذا تحدثوا فيه وعجزوا عنه وتحيروا فيه واعترفوا بفضله، وهم معدن البلاغة ومنبع الفصاحة وفرسان البيان.
ولا يقال إن من في هذه الآية زائدة إذ لا يستقيم المعنى إلا بها إذا أعدت الضمير على سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم على الوجه الأول، وإذا أعدته على المنزل على محمد كان حرف الجر مؤكدا، وقد أشرنا أول سورة البلد، وفي الآية ١٢ من سورة الأعراف ج ١، إلى أنه لا يجوز القول بزيادة شيء في القرآن، كما لا يجوز نقص شيء منه حتى حرف/ ما/ التي بعد إذا مثل (إِذا ما جاؤُها) وغيره لا تعد زائدة، إذا أنها تبقى في الإثبات ثم النفي لأنهم لم يأتوها باختيارهم بل سبقوا إليها فسرا، راجع الآية ٢٧ من سورة فصلت في ج ٢، والآية ٩٧ من سورة المائدة، والآيتين من آخر سورة التوبة الآتيتين، فهي وإن كانت للثبوت فقد أتى بالنفي فيها ليبقى ثم أيضا، أي أنهم جنحوا عن اليقين إلى التقوى، وذلك شأن المؤمن الورع «وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ» من جحافل العرب وأولياء أصنامكم الذين تستشهدون بهم على أنها آلهة «مِنْ دُونِ اللَّهِ» ليشهدوا بأنكم تأتون بمثله «إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ٢٣» في دعواكم أن محمدا يأتي بالقرآن من نفسه أو بتعليم من غيره من البشر، والمراد من هذا إرخاء العنان والاستدراج إلى غاية التبكيت، كأنه قيل قد تركنا إلزامكم بشهداء الحق وملنا إلى شهدائكم المعروفين بالذبّ عنكم، فإنهم أيضا لا يشهدون لكم على ذلك حذرا من اللائمة، وأنفة من الشهادة الباطلة، وخوفا من أن يصموهم بالكذب، لأن أمر إعجازه ظاهر، وعجز طوق البشر عن الإتيان بمثله واضح، «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا» بأن تأتوا بسورة مثل هذا القرآن أو بسورة من مثل محمد وقد عجزتم عن ذلك قبلا إذ تحديناكم بسورة واحدة أو بعشر صور منه كما في الآية ٣٩ من سورة يونس والآية ١١ من سورة هود المارتين في ج ٢، وتحدينا الخلق كافة