وغير العهد الذي خص به العلماء في الآية ١٨٧ من آل عمران الآتية، راجع هذه الآيات والآية ٨١ من آل عمران أيضا تقف على تمام هذا البحث «مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ» عقده وإبرامه، وتؤكده عليهم بقوله (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) وقوله في حق الرسول (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) وفي هذه الآية إشارة إلى أن الكفرة واليهود بعد أن يتعاهدوا مع حضرة الرسول ينقضون عهدهم معه، وقد كان ذلك كما سيأتي في محله، وهذا من قبيل الإخبار بالغيب، وفيها تحذير من نقض العهد وتقبيح لناقضه، وقد ذكرنا ما يتعلق بهذا البحث في الآية ٩١ من سورة النحل المارة في ج ٢، والآية ٣٤ من سورة الإسراء في ج ١، فراجعهما «وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ» من الإيمان بالرسل السالفين جميعهم «أَنْ يُوصَلَ» ذلك الإيمان المتتابع بمحمد صلّى الله عليه وسلم لأن الله تعالى أخذ العهد على خلقه أن يؤمنوا برسله إيمانا متصلا واحدا بعد واحد، فلم يمتثلوا أمر الله ولم يؤمنوا بجميع رسله، ومن أهل زمانه من اليهود، ولم يؤمنوا به كما لم يؤمنوا بعيسى قبله، وكذلك النصارى لم يؤمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلم، مع أنه أخذ العهد على كل ملّة من قبل نبيها أن تؤمن بالرسول الذي
يخلفه، راجع الآية ١٧٣ من الأعراف في ج ١ تقف على هذا أيضا «وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ» علاوة على نقضهم عهد الله وعهد رسولهم وقطعهم ما أمر الله بوصله، لأنهم يقطعون السبيل ويسلبون الناس ويعملون المعاصي ويمنعون غيرهم من الإيمان بالله ورسوله «أُولئِكَ» الذين هذه صفتهم وهذا شأنهم «هُمُ الْخاسِرُونَ ٢٧» المغبونون لاستبداهم النقص بالوفاء، والقطع بالوصل، والفساد بالإصلاح، والعقاب بالثواب. قال تعالى «كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً» نطفا جامدة ميتة في أصلاب آبائكم «فَأَحْياكُمْ» في أرحام أمهاتكم عند قذف النطفة فيها، فكونتم وصورتم، حتى إذا أكمل خلقكم وانتهى أمد وجودكم في الرحم ولدتم وترعرعتم وكبرتم «ثُمَّ يُمِيتُكُمْ» بعد استيفاء آجال مكثكم في الدنيا «ثُمَّ يُحْيِيكُمْ» ثانيا بعد انتهاء أجل لبثكم في البرزخ من قبر وغيره «ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢٨» فتحضرون إلى الموقف في محل الحشر إذ تحاسبون على ما كان منكم وتجاوزون عليه الخير بأحسن منه، والشر بمثله، وهذا الاستفهام استفهام تعجب من حالهم وإنكار