هبوطه عليهم، ولذلك يسجدون حتى الآن على أنصاف وجوههم، زاعمين أنه إنما رفع عنهم هبوط الجبل بمثله. قال تعالى «ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ» الميثاق الذي أخذ منكم قهرا على القبول بأحكام التوراة وحدودها أعرضتم عن قبول ما فيها وأدبرتم وتركتم العمل بها، ولم تخشوا أن بوقع بكم ما رفعه عنكم أو ينزل بكم ما هو أعظم «فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ» بكم بتأخير العذاب وإمهالكم للتوبة «لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ»(٦٤) بذهاب دينكم ودنياكم لأنكم غبنتم بضياع دنياكم سدى وسببتم لأنفسكم عذاب الآخرة اختيارا ورضاء. قال تعالى «وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ» إذ جاوزوا حدود الله فيه لإقدامهم على ما نهوا عنه فيه احتيالا على الله وخلافا لأمره «فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ»(٦٥) مبعدين مطرودين من رحمة الله، فكانوا، وحولت صورهم البديعة الإنسانية إلى صور قبيحة حيوانية، «فَجَعَلْناها» أي الفعلة التي أوقعناها بهم «نَكالًا» عقوبة عظيمة وعبرة مؤثرة وعظمة بليغة «لِما بَيْنَ يَدَيْها» الذين حضروها منهم «وَما خَلْفَها» الذين يأتون بعدها من الأمم بتكرر السنين، إذ ينقلها السلف بصورة مستمرة إلى الخلف جيلا بعد جيل «وَمَوْعِظَةً» جعلناها «لِلْمُتَّقِينَ»(٦٦) يتذكرون بها لأنها من أيام الله في عباده ومواقعه في بلاده، ويذكرون غيرهم بها ليعلموا كيفية فعلنا بهم.
وخلاصة هذه القصة أن الله حرم على اليهود صيد السمك يوم السبت، وقد ابتلاهم بأن ألهم السمك ذلك فصاروا يظهرون فيه عاثمين على وجه الماء، كما أخبر الله عنهم في الآية ١٦٢ من الأعراف في ج ١، فسؤلت لهم أنفسهم أن حفروا حياضا كبارا قرب الشاطى، وشرعوا لها من البحر جداول يجري فيها الماء إليها فيفتحونها يوم الجمعة، ويبقونها حتى صباح الأحد، فيتسرب السمك إليها فيسدونها عليه من جهة البحر، فيبقى السمك عاثما فيها لا يستطيع الرجوع إلى البحر، وإذا هرب إلى البرّ مات، فيضطر للبقاء في الحياض، فيأتون ويأخذونه دون كلفة، وبهذه الصورة احتالوا على صيده، وذلك في زمن داود عليه السّلام، واستمروا على ذلك مدة، ولما رأوا أن الله لم يعاقبهم قالوا قد أحل لنا العمل في السبت،