«فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ» فيمتحض المؤمن بتركه ويجترىء الكافر على تعلمه والعمل به، وعلى هذا فيكون الملكان في هذا التعليم مطيعين لله تعالى إذ كان بإذنه، ولا يضرهما سحر من سحر بعد نهيهما إياه عنه، لأنهما أديا ما أمرا به، ومما يدل على أن السحر لا تأثير له بنفسه، قوله تعالى «وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ» وهذا نص قاطع في عدم تأثيره، فلا عبرة بقول من يقول إن له تأثيرا ويخشى عليه الكفر إلا إذا تأول، وإلا فهو كافر بلا خلاف لمخالفته كلام الله تعالى «وَيَتَعَلَّمُونَ» هؤلاء السحرة «ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا» أولئك اليهود، لأن الكلام مرتبط بقوله تعالى (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا) الآية ٢٤ المارة. وقصة السحر مستطردة حتى لو حذفتها على سبيل الفرض إذ لا يجوز حذف حرف واحد من القرآن على القطع ويكفر فاعله، فوصلت ما بعدها بما قبلها لا ستقام المعنى مع استقامته معها، وهذا شأن جميع الآيات المعترضات في القرآن العظيم وهو من خصوصيات بلاغته، وقوة سبكه، وحسن نظمه، ومتانة معناه، وفصاحة مبناه، ومن جملة إعجازه، جل منزله والخيبة «لَمَنِ اشْتَراهُ» استبدل ما تتلوا الشياطين بما في كتاب الله تعالى واختاره عليه، ومن كان هذا شأنه «ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ» حظ ولا نصيب فيها «وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ» أي الذين باعوها به «لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ١٠٢» أن السحر والكفر سبب حرمانهم من الجنة «وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا» بمحمد وما جاءهم به «وَاتَّقَوْا» الكفر والسحر «لَمَثُوبَةٌ» لهم «مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ» لهم مما يتقاضونه من الثمن البخس بغضب الله «لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ١٠٣» أن ثواب الله تعالى خير لهم من ذلك، وإن النجاة باتباع الدين الحق ليس بالشعوذة. هذا، واعلم أن السحر له وجود وحقيقة، والعمل به كفر إذا اعتقد بتأثيره بنفسه، أما إذا اعتقد أن المؤثر الحقيقي هو الله تعالى، فلا، وهو قد يؤثر بتأثير الله تعالى في الأبدان بالأمراض والجنون، وربما أدى إلى الموت، لأن للكلام تأثيرا في الطباع، فقد يسمع الإنسان ما يكره فيحمّ له، وقد مات رجال من كلام سمعوه بتقدير الله تعالى