وأقدامنا «إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ» كثير الرجوع بالمغفرة على عبادك «الرَّحِيمُ ١٢٨» بهم، ولا حجة في هذه الآية لمن جوز صدور الذنب من الأنبياء، لأن العبد وإن اجتهد في طاعة ربه لا ينفك عن التقصير أحيانا بسهو أو غفلة أو بترك ما هو خلاف الأولى والأفضل، ولهذا قالا (وَتُبْ عَلَيْنا) لا أنه من ذنب كذنوبنا، بل هو على حد حسنات الأبرار سيئات المقربين، وقد بينا في سورة طه في الآية ١٢١ ج ١ ما يتعلق في هذا البحث مفصلا فراجعه. قال تعالى «رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ» في تلك الأمة المسلمة والجماعة المؤمنة المخلصة في إيمانها «رَسُولًا مِنْهُمْ» الضمير يعود إلى قوله (أَهْلَهُ) في الآية المتقدمة، وقد أجيبت دعوتهما، إذ بعث الله من ذرية ابنه إسماعيل محمدا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين «يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ» يبلغهم كلامك الذي توحيه إليه «وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ» يبين لهم معانيه وحقائقه ودلائل التوحيد والنبوة والأحكام، وقد ذكر أولا التلاوة لأجل التلقي والدراسة والحفظ ليبقى مصونا عن التبديل والتحريف، ثم ذكر التعليم الموقوف على أسراره ومراميه «وَالْحِكْمَةَ» الإصابة بالقول والعمل للوقوف على مغازيه، إذ لا يسمى الرجل حكيما إلا إذا اجتمع له الأمران لأنه إذا قال ولم يصب كان جاهلا، وإذا عمل ولم يصب كان أحمق، وإذا أخطأ فيهما كان أخرق، راجع الآية ٢٦٩ الآتية «وَيُزَكِّيهِمْ» من أدران الذنوب بما يتلوه عليهم، ويعلمهم أحكام دينه وشرائع سنته مما وافق سنة وشرع من قبله أو خالفهما، لأنهما الموافقان لعصره بإرادة الله تعالى وتشريعه لهم في الأزل، «إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ» الغالب القادر «الْحَكِيمُ ١٢٩» فيما تشرع لعبادك من الأوامر والنواهي الموافقة لحكمتك.
وقد أجاب الله دعاءهما هذا كله، وأجمع المفسرون على أن المراد بهذا الرسول هو سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم، لأن هذا الدعاء وقع بمكة وإسماعيل عاش وتزوج ومات بمكة، وزوجته من عرب جرهم الذين أقاموا فيها كما مرت الإشارة لهذا في الآية ٣٣ من سورة العنكبوت في ج ٢، ولم يبعث من ذرية إبراهيم في مكة نبي بعد إسماعيل إلا محمد صلّى الله عليه وسلم. روى البغوي بإسناد الثعلبي عن العرباض بن سارية عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: إني عند الله مكتوب خاتم النبيين، وإن آدم لجندل في طينته (مطروح