في مواضع كثيرة قبل أن تفرض حثا على فعلها وترغيبا به وإعلاما بأنها ستفرض على هذه الأمة، وقد أعلن رسول الله صلّى الله عليه وسلم فرض الزكاة عقيب نزول هذه الآية قبل رمضان في السنة الثانية من الهجرة، لأن هذه الآية جامعة لأركان الإسلام الخمسة والزكاة من أركانه، ولأنه عبّر عنها مرتين فقال أولا (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) ثم قال (وَآتَى الزَّكاةَ) تدبر. أخرج الترمذي والدارقطني وجماعة عن فاطمة بنت قيس قالت: قال رسول صلّى الله عليه وسلم في المال حق سوى الزكاة. وأخرج البخاري في تاريخه عن أبي هريرة رضي الله عنه مثله. وآية الزكاة غير ناسخة للصدقة لقوله تعالى (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) الآية ٢٥ من سورة المعارج ج ٢، ومثلها آية الذاريات بدون كلمة (معلوم) وكلاهما في الصدقة، ولقوله صلّى الله عليه وسلم:
لا يؤمن بالله واليوم الآخر من بات شبعا وجاره طاو إلى جنبه. وللإجماع، على أنه إذا انتهت الحاجة إلى الضرورة وجب على الناس أن يعطوا مقدار دفع الضرورة وإن لم تكن الزكاة واجبة عليهم، وإذا امتنعوا عن الأداء جاز الأخذ منهم سرقة، وللإمام أن يأخذ من أغنيائهم ويعطى فقراءهم بقدر الحاجة.
وأما ما روي عن علي كرم الله وجهه مرفوعا نسخ الأضحى كل ذبح، ورمضان كل صوم، وغسل الجنابة كل غسل، والزكاة كل صدقة، فهو غريب معارض، وفي إسناده المسيب بن شريك، ليس بالقوي عند أهل الحديث، وعلى فرض صحته فيكون المراد منه الصدقة المقدرة، ولا يقال الغريب لا يحتج به، لأن ذلك إذا لم يعارض ولم يطعن براويه ووجد ما يعضده أيضا، فإذا فقدت هذه الشروط أو أحدها فلا يحتج به، تأمل، وراجع الآية ٥٨ من الإسراء في ج ١ تجد ما يتعلق في هذا البحث. «وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا» سواء فيه عهد الله أو عهد الرسول أو عهد الناس، لأن الوفاء بالعهد والوعد مطلوب «وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ» حال الشدة والفقر والفاقة «وَحِينَ الْبَأْسِ» القتال في سبيل الله وسمي القتال بأسا لما فيه من الشدة «أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا» بإيمانهم «وَأُولئِكَ» الذين هذه صفتهم «هُمُ الْمُتَّقُونَ ١٧٧» ما نهى الله عنه القائمون بما أمرهم به المستجمعون لأنواع البر والخير. روى البخاري ومسلم عن