الذين لا يرجى برؤهم والهرم العاجز، فمثل هؤلاء إذا كانوا أغنياء يكون عليهم «فِدْيَةٌ» بدل صيامهم لأنهم معذورون كل عمرهم، والفدية الواجبة عليهم هي «طَعامُ مِسْكِينٍ» واحد غداءه وعشاءه عن كل يوم «فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً» بإطعام أكثر من مسكين نظرا لسعة حاله وطلبا للثواب وتحللا مما يجد في قلبه من الأسف على عدم قيامه بهذا الفرض وحرمانه من أجره لتصلبه في دينه «فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ» عند ربه وأعظم ثوابا له «وَأَنْ تَصُومُوا» أيها المسافرون والمرضى والعجزة مع تجشّمكم مشقة الصيام «خَيْرٌ لَكُمْ» عند ربكم واطمن لقلوبكم وأكثر أجرا من أخذكم بالرخصة «إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(١٨٤) ما للصائم عند الله من الخير الذي هو خارج عن الحصر، فلو علمتم ذلك لتحملتم المشقة وصمتم براءة لذمتكم على أتم وجه وثلوجة لصدوركم بإزالة ما يحوك فيها من التأثم من الإفطار لأن الإثم حزاز القلوب وترقبا لحصول فرحة الإفطار وفرحة لقاء الملك الجبار.
وليعلم أنه يجوز الأخذ بهذه الأخيرية إذا لم يضر الصوم بالمريض أو المسافر أو العاجز، فإن ضرّ حرم عليهم الصوم ووجب الإفطار أخذا بالرخصة لصيانة النفس، إذ لا يجوز الأخذ بالعزيمة على الصيام إلا إذا تحقق القدرة وعدم المضرة، وإلا بأن علم من نفسه أو من إخبار طبيب أن الصوم يضره تركه حالا، ولهذا قال تعالى (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
إذ صدر الجملة الذي ختم بها الآية (بإن) المفيدة للشك، أي إن كنتم تعلمون أن صيامكم خير من الإفطار بأن تقدروا عليه دون كلفة ضارة فصوموا، وإلا فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولا حرج في هذا الدين السمح، ويشير قوله تعالى عَلى سَفَرٍ) أنه لا يجوز الإفطار إلا لمن أدركه رمضان وهو متلبس بالسفر، لأن المراد بقوله الآتي (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ) أي حضر رؤية الهلال وهو مقيم، ولهذا قال علي كرم الله وجهه وابن عباس رضي الله عنهما ذلك لمن أهل الهلال وهو مسافر. وأما من أنشأ السفر في رمضان فليس له أن يفطر، أي إذا خرج من البلد وهو صائم فليس له أن يفطر هذا اليوم الذي أنشأ فيه السفر بعد تلبسه بالصيام، راجع كتاب الصوم الجزء الثالث ص ٩١ من مبسوط الإمام السرخسي وهو موافق لظاهر القرآن، لأن كلمة على سفر غير كلمة مسافر.