لم يجعل عليكم حرجا في ما شرعه عليكم من الدين وتحمدونه على ما كتب عليكم من فرضه وما جعل لكم من الأجر على قيامكم بما كلفكم به، وفي هذه الجملة الأخيرة إشارة إلى صلاة عيد الفطر لأنها تعقب كمال الصيام، روى البخاري ومسلم عن عائشة قالت: كان يوم عاشوراء لقوم قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يصوم معهم أيضا، فلما قدم إلى المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه. وما قيل إن قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية منسوخ لا صحة له، بل هي محكمة بدليل ما روى البخاري عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقرأ (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ) قال ابن عباس ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان
أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا، وقال هي خاصة في حق الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم، ولكن يشق عليه، رخص له أن يفطره ويفتدي، وكذلك العجوز، وإنما جاز لها الفدية لعدم القدرة المستمرة، أما المريض والنفساء والمسافر فيجب عليهم القضاء عقب زوال عذرهم، فإن ماتوا ولم تمض مدة يتمكنون فيها من القضاء فلا فدية عليهم، وإلا فعليهم الفدية من مالهم. ووقت الصيام قد ذكره الله تعالى بأنه بعد رؤية الهلال من رمضان، وقال صلّى الله عليه وسلم: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، وجاء في حديث آخر: الشهر تسع وعشرون ليلة فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأقدروا له، وفي رواية فأكملوا العدة ثلاثين يوما.
ومعنى أقدروا له أي احسبوا له حسابه، وفيه إشارة إلى جواز الأخذ بأقوال المنجمين الموقتين، وعليه قول ابن وهبان في منظومته:
وقول أولي التوقيت ليس بموجب ... وقيل بل والبعض إن كان يكثر
ومنه يعلم أن الشهر الفلكي غير الشهر الشرعي لأنه قد يولد ولا يرى، وقد يرى في مكان دون آخر، ولا خلاف في ذلك لاختلاف المطالع، ويشترط للصوم الرؤية في المكان الذي أنت فيه أو القريب منه لا الولادة، والمحل البعيد بالتعبير الشرعي وهو أن يكون غير القطر الذي أنت فيه، ويختلف القطر بثلاثين مرحلة أي مدة شهر كامل، ويشترط للرؤية في الصحو جماعة بنسبة أهل البلد، وفي الغيم