العشاء أو في الليل حتى يقال إنه نسخ بهذه الآية، وعليه فلا معنى للنسخ ولا القول به هنا البتة كما هو الحال في الكعبة، لأن الله تعالى لم يأمرنا باستقبال البيت المقدس قبلا حتى يقال إنه نسخ استقباله بالأمر باستقبال الكعبة «ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ» أيها الصائمون بعد غياب الشمس من المحل الذي أنتم فيه لأنها قد تكون طالعة في غيره بسبب ارتفاع حدبة الأرض، فهي دائما طالعة عند أناس، غائبة عند آخرين، وما جاء أن الأرض مفروشة أو مبسوطة أو ممهدة أو ممدودة من كل ما يدل على استوائها من الآيات فهو بالنظر لما نراه لا بالنسبة لما هي عليه من التكوين الإلهي، فالنملة لا شك ترى البيضة مستوية مبسوطة بالنسبة لصغرها وعظم البيضة، فنحن أصغر من النملة بالنسبة للأرض بملايين الكرات. هذا، ومن قال إن المراد بالليل طلوع النجم قول غير وجيه ينافيه معنى الغاية، وما رواه البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم، أي جاز له الفطر. والتصريح بقوله وغربت كاف في الدلالة على عدم صحة قول من فسر الليل بطلوع النجم، لأن السنة مفسرة لكلام الله تعالى، ولأن أول الشيء عينه، وغياب الشمس أول الليل، وعلى الصائم أن يحتاط لئلا يخطئ في الإفطار فيضيع صيامه، كما عليه أن يحفظ جوارحه من الآثام الظاهرة والباطنة كي ينال أجره تماما، قال أحمد عبيده:
تصوم عن الطعام ولا تبالي ... بصوم الطرف واليد واللسان
وان لكل جارحة صياما ... جزيل الأجر موصول الزمان
«وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ» أي النساء «وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ» لا ليلا ولا نهارا سواء كان في رمضان أو غيره صيّاما كنتم أو مفطرين، وقد أنزل الله تعالى هذه الجملة لئلا يتوهم أن حكم الاعتكاف كحكم الصوم يحرم نهارا على الصائم، ويحل ليلا، بل يحرم الجماع في الاعتكاف ليلا ونهارا، وذلك أن المعتكفين يخرجون من المسجد ليأتوا أهلهم ثمّ يغتسلون ويرجعون إليه. والحكم الشرعي في الاعتكاف هو سنة مطلقا، وسنة مؤكدة في العشر الأواخر من رمضان،