لهضم حق الغير الذي لا شاهد له إلا الله مع كونه عالما بأنه مدين له، فهي يمين الغموس التي تغمس صاحبها في النار، وهذا كلّه من معاني الإدلاء بالباطل إلى الحكام، أي النسبة إلى حكمهم، فهم لا يسألون عن أحكامهم إذا كانت موافقة لظاهر الشرع، وإنما يسأل المبطل، لأن الحاكم العدل ملزم بأن يحكم بالظاهر، والله تعالى يتولى السرائر، ولا تنطبق هذه الآية عليهم إلا في حال أخذ الرشوة، لأن فيها يكون الإدلاء إليهم، أجارنا الله ووقانا. روي أن رجلا خطب امرأة هو دونها، فأبت فادعى عند علي كرم الله وجهه أنه زوجها وأقام البينة، فقالت المرأة لم أتزوجه وطلبت عقد النكاح، فقال كرم الله وجهه قد زوجك الشاهدان وقد طلبت رحمها الله إجراء العقد بعد أن رأت الحكم عليها بالزوجية زورا لشدة تمسكها بدينها لتكون زوجة له بالوجه الشرعي، لأنها تزعم أن شهادة الزور لا تكفي، فأخبرها كرم الله وجهه أن شهادتهما بزوجيتها له كافية، وليس عليها إثم بمطاوعتها له، وإنما الإثم عليه وعلى الشهود، ولهذا ذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الحاكم إذا حكم ببينة بعقد أو فسخ عقد مما يصح أن يبتدأ به من العقود فهو نافذ ظاهرا وباطنا، ويكون كعقد عقداه بينهما، وإن كان الشهود زورا. وذهب فيمن ادعى حقا في يد رجل وأقام بينة تقتضي أنه له، وحكم بذلك الحاكم أنه لا يباح أخذه له، وأن حكم الحاكم لا يبيح له ما كان قبل محظورا عليه، وحمل الحديث على ذلك، والآية ليست نصا في مدعى مخالفيه، لأنهم إن أرادوا أنها دليل على عدم النفوذ مطلقا فممنوع، وإن أرادوا أنها دليل على عدم النفوذ في الجملة فمسلم ولا نزاع فيه، لأن الإمام الأعظم رضي الله عنه وأرضاه يقول بذلك، ولكن فيما سمعت، وإذا أردت تفصيل هذه القضية فارجع إلى كتاب أدب القاضي تر فيه ما تقنع به. قال تعالى «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ» ما سبب زيادتها ونقصها وكبرها وصغرها «قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ» أي لصومهم وإفطارهم وآجال ديونهم وإجارتهم ونذورهم والحيض والنفاس ومدة العدة والحمل وزمن الحج ووقته وغير ذلك، وهذا خلاف السؤال وهو من أنواع البديع في المخاطبات، لأنه تلقي السامع بغير ما يتطلب بتنزيل سؤاله منزلة غيره تبينها على أنه الأولى له