للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من قبل بابه فكأنه عيّر بذلك، فنزلت. وفي رواية كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيوت من ظهورها، فنزلت. أي أن هذه العادة المتخذة قديما قبل الإسلام ليست من البر في شيء، وأن البرّ هو تقوى الله التي فيها الفوز والنجاة والأجر والثواب. قال تعالى «وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ» أي يبدأونكم بالقتال ولا تبدأوهم أنتم بالقتال، ولهذا قال تعالى «وَلا تَعْتَدُوا» بأن تقاتلوهم توا أو تقاتلوا غيرهم أو أولادهم وشيوخهم ونساءهم ورهبانهم والمستسلمين منهم لما فيه من الاعتداء المبغوض «إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» (١٩٠) على أنفسهم وعلى غيرهم، كان الرسول في بداية الإسلام وإلى حد نزول هذه الآية منهيا عن القتال ومأمورا بمعاملتهم بالرفق واللين ليؤمن مؤمنهم ويصرّ كافرهم، ولما اضطروه إلى الهجرة واستقر به الحال في المدينة واجتمع عليه أصحابه ومن آمن من غيرهم، أمره جل شأنه بقتال من بدأه بالقتال أو من تحدّاه به مقابلة لا عداء ولا انتقاما، بقصد إعلاء كلمة الله تعالى وإظهار عزّة المؤمنين. روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله؟ فقال صلّى الله عليه وسلم من قاتل حتى تكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله. أي أن كل ذلك المسئول عنه غير مطلوب ولا هو في سبيل الله، بل هو لإظهار الشجاعة. وليقال إنه يقاتل ويناضل، وهذه الآية محكمة لأن معناها قاتلوا الذين أعدوا أنفسهم لقتالكم لا غير ممن ذكر أولا ومما سيأتي ذكره في الحديث الثاني. وهذه أول آية نزلت في القتال بعد الآية ٣٩ من سورة الحج الآتية، لأنها نزلت قبل هذه، فراجعها تعلم السبب في ذلك، وبعدها وقعت غزوة بدر الأولى في ١٧ رمضان السنة الثانية من الهجرة.

روى مسلم عن بريدة قال: كأن رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو صرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال له اغزوا بالله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا (لا تخفوا شيئا من الغنائم) ولا تعتدوا (أي لا تقتلوا الشيوخ والمرضى والعجزى لأنهم لا يقاتلون) ولا تمثلوا (بأن تقطعوا آذان القتلى أو مذاكيرهم أو أنوفهم أو تشقوا بطونهم أو غير ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>