للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«وَلا جِدالَ» مخاصمة مطلقة في قليل أو كثير بسبب وبلا سبب لإطلاق النهي عنها «فِي الْحَجِّ» في زمنه كله ومكانه جميعه، لأن الذنوب تضاعف هناك، كما أن الحسنات تضاعف أيضا لما ورد أن الصلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة.

وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه. «وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ» ويثيبكم عليه وفي هذه الجملة حث الحاج على عمل الخير وتحذير شديد من فعل الشر، وفيها إرشاد إلى البر والوفاق والآداب الحسنة والأخلاق العالية، وإيماء بملاطفة الغير ولين الجانب، وإشارة إلى اجتناب جميع ما يعد شيئا، والإقدام على سائر ما يعد حسنا ورمز عن التباعد عن كل ما لا يرضى الله به، وفعل ما رغّب فيه، بدلالة قوله «وَتَزَوَّدُوا» عباد الله من أعمال الخير والأفعال الصالحة ومن النفقة أيضا لإطعام المحتاجين والبائسين والتصدق على الفقراء والمساكين، واحذروا أن تقصروا في حمل النفقة لأنفسكم على الأقل بما يكفيكم لذهابكم وإيابكم لئلا تكونوا عالة على غيركم، لأن الله لم يكلّف غير المستطيع إلى زيارة حرمه، وكما يطلب التزود من الحاج في الزاد يطلب منه التزود في عمل الخير «فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى» عن كل محظور، ومنه التثقيل على الناس بالاستطعام وخير الزاد الموصل إلى العبادة في الدنيا والآخرة. وبعد أن حث جل شأنه على البر الشامل إثر تحذيره عن الشر العام أرشد عباده بأن يكون قصدهم بحجهم وعملهم ونفقتهم رضاه فقال «وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ» (١٧٩) خصهم بالذكر لأنهم يعلمون حقائق الأمور، قال الأعشى في هذا المعنى:

إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ... ولا قيت بعد الموت من قد تزودا

ندمت على أن لا تكون كمثله ... وأنك لم ترصد كما كان أرصدا

وقال الآخر:

إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدا ... ندمت على التفريط في زمن البذر

قال تعالى «لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ» حرج ولا إثم أيها الحاج «أَنْ تَبْتَغُوا» بأن تتجروا فتبيعوا وتشتروا فتستفيدوا «فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ» رزقا

<<  <  ج: ص:  >  >>