رسالة نوح عليه السلام مبدأها خاص وآخرها عام، فراجعها. «وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ» يشمل الكتب المنزلة كلها لأن ال فيه للجنس وهي مئة وأربعة عشر فقط، أنزل منها على آدم عشرة، وعلى شبث ثلاثين، وعلى إدريس خمسين، وعلى إبراهيم عشرة، وعلى موسى عشر صحف والتوراة والزبور على داود، والإنجيل على عيسى، والقرآن على محمد صلوات الله عليهم وسلامه أجمعين. وذكرنا في الآية ١٨٤ المارة أنها كلها نزلت في رمضان إنزالا ملابسا «بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ» كل نبي بكتابه المنزل عليه بالعدل «بَيْنَ النَّاسِ» حسما لمادة الخلاف ليعملوا فيها هم أيضا من بعده «فِيمَا اخْتَلَفُوا» أي الناس المذكورين في صدر الآية «فِيهِ» من الحقوق الجارية بينهم «وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ» في نفس الكتاب الذي يجب أن يتحاكموا إلى نصوصه فيما يقع بينهم من الخصومات «إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ» كاليهود والنصارى الذين في زمانك يا سيد الرسل، مع أنهم أهل لأن يتفقوا على أحكام كتبهم ولكنهم يا للأسف كفّر بعضهم بعضا، وتواطئوا على إنكار ما في كتبهم مما هو موافق لشريعتك وما هو مظهر نعتك وصفة كتابك وموجب للإيمان بك، ولم يزل الخلاف بينهم «مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ» المزيلة لهذا الاختلاف «بَغْياً بَيْنَهُمْ» وحسدا إذ لا عذر لهم في العدول عنك وعما جئت به لا حب بقاء الرياسة والحصول على حطام الدنيا «فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا» من أصحابك وأمتك «لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ» الذي هو رسالتك، واختلفوا في الجمعة فهداك الله وأمتك إليها، واختلفوا في الصيام وفي القبلة فهداكم إليهما، واختلفوا في إبراهيم وفي عيسى فهداكم الله للإيمان بهما كغيرهما من الأنبياء.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم نحن الآخرون السابقون يوم القيامة أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه بعدهم، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله إليه، فغد لليهود، وبعد غد للنصارى. وفي رواية سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: نحن الآخرون السابقون بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له. زاد النسائي:
يعني يوم الجمعة (ثم اتفقا) فالناس لنا تبع اليهود غد والنصارى بعد غد. وروى