للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا هاجم العدو بلاد الإسلام، وفرض كفاية إذا كانوا في بلادهم وتحدوكم قبل الوصول إليكم، وفي هذه الصورة إذا قام به البعض من المسلمين سقط الإثم على الباقين، أما في الصورة الأولى فكلهم آثمون، ومسنون في كل وقت، ومن السنة أن نبدأهم به. أخرج أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برا كان أو فاجرا. وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم الفتح: لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا. وقدمنا ما يتعلق بهذا في الآية ١٩٠ المارة أولاد وجه لقول من قال أن المخاطب بهذه الآية هم أصحاب محمد الموجودون في زمانه فقط، لأن الخطاب فيها عام لا يقيد بهم، إذ لا مخصص لذلك، ولم يقصد به أناس دون آخرين ولا زمان ومكان لأن سياق الآية يدل على التعميم وهي مؤيدة بالأحاديث الصحيحة فيدخل في خطابها كل الأمة إلى

يوم القيامة. وما قيل إنها منسوخة بآية التوبة ١٢٢ التي مطلعها (ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) إلخ لا وجه له أيضا، لأن هذه الآية خاصة مقيدة نافية وجوب الجهاد على العموم والتي نحن في صددها عامة مطلقة، وقد ذكرنا غير مرة بأن المقيد مخصص لا ناسخ، وأن المقيد دائما يحمل على المطلق، والخاص على العام. وكذلك لا يتجه القول بأنها ناسخة للعفو عن المشركين، إذ لم تتعرض لشيء من ذلك، وإنما هي عبارة عن إخبار الله تعالى عباده بأن الجهاد الذي أمرناكم به مفروض عليكم، لأنه مكتوب في أزله كذلك، لئلا يقوهم الغير بأنه مندوب أو مباح بدليل قول (كُتِبَ عَلَيْكُمُ) إلخ، تأمل قوله تعالى «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ» يا سيد الرسل لهؤلاء السائلين «قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ» إثمه، عظيم جرمه، وهذا على طريق إرخاء العنان بالاعتراف بعظم القتال فيه، ولكن الذي ارتكبوه فيه أكبر إثما وأعظم وزرا من القتال فيه، وهو المبين بقوله تعالى «وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» ومنع المسلمين من سلوكه ومن التمسك بدين الإسلام الحنيف وتفرعاته «وَكُفْرٌ بِهِ» وجحود بالإله الكبير الذي شرعه لعباده «وَ» صدّ المؤمنين عن دخول «الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» ومنعهم من الطواف به «وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ» وإجلاؤهم عنه

<<  <  ج: ص:  >  >>