وقع، وإن لم ينو فلا. وهناك كنايات اصطلح عليها مبينة في كتب الفقه مثل روحي وأنت خلية برية، فكلها تحتاج إلى النية، أما صريح الطلاق فلا يحتاج بل يقع بمجرد صدوره وهو من الثلاث التي جدهن جد وهزلهن جد، والطلاق الثلاث بلفظ واحد قد تعارفوا على وقوعه ثلاثا مع أنه لا يعتبر ظاهرا إلا طلاقا واحدا ولو تكرر في مجلس واحد يعتبر واحدا أيضا كما عليه الآن محاكم حكومة مصر اتباعا لما كان في بداية الإسلام، وإن إيقاعه ثلاثا كان بخلافة عمر رضي الله عنه زجرا للناس من أن يلوكوا بألسنتهم كلما تغالطوا أو تخالفوا على شيء حلقوا بالطلاق الثلاث أو أوقعوا الطلاق الثلاث على زوجاتهم بلفظ واحد أو بألفاظ متعددة.
ولكن مع الأسف لم يؤثر فيهم هذا، فتراهم كلما قاموا أو قعدوا حلفوا بالطلاق أو طلقوا، ولهذا فإن ما ذهبت إليه حكومة مصر فيه وسعة للعوام ورحمة بالنساء الغائلات، إذ يطلقن بلا سبب. وجاء في صحيح مسلم أن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر رضي الله عنهما طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر إن الناس قد استعجلوا في أمر كان فيه إتاءة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه. أي أوقعه ثلاثا زجرا لهم، وكان ذلك زمن الأصحاب والخلفاء الراشدين ومن بعدهم، واستمر عليه العمل حتى الآن، واعتبار الثلاث واحدة مأخوذ من قوله تعالى (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) باعتبار أن ما يوقعه المطلق من الطلاق مهما كان متعددا يعتبر مرة واحدة، وعليه الفخر الرازي وجماعة من المفسرين.
راجع الجزء السادس ص ٥ من المبسوط للإمام السرخسي. هذا، وحكم الرجعة أن يشهد رجلين على قوله راجعت زوجتي فلانة لعصمة نكاحي ضمن العدة أو يعاملها معاملة الأزواج خلال العدة، فيكون راجعها فعلا «أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ» بأن تتركوهن بلا رجعة حتى تنقضي عدتهن، فيملكن أمرهن، وهذا مما يؤكد أن معنى بلغن قاربن كما مر «وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً» بهنّ لا رغبة «لِتَعْتَدُوا» عليهن فيضطررن لفداء أنفسهن بأن تراجعوهن لهذه الغاية لا للإمساك بالمعروف، ولهذا يقول الله تعالى «وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ» الإمساك بقصد الإضرار «فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ» وعرضها لعذاب الله بمخالفته حدوده التي نهى عنها ومخالفة أمره