ولأنها في وقت يتكاسل فيه الناس للذة النوم ورطوبة الهواء في الصيف وشدة البرد بالشتاء وفتور الأعضاء وتمادي النعاس وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين المقدرين عظيم ثوابها فهي عليهم خفيفة سهلة يسرة يأتونها برغبة وطيب نفس، وهناك أقوال بأنها العصر أو الظهر وقد بيناها في الآية ٧٩ من سورة الإسراء في ج ١ فراجعها.
وحجة من قال إنها العصر وقوعها بين صلاتي نهار وليل: الصبح والظهر، والمغرب والعشاء. وحجة من قال إنها الظهر وقوعها وقت اشتغال الناس ولأنها أول صلاة صلاها جبريل بالنبي محمد عليهما الصلاة والسلام ولأن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين كما ذكره بعضهم، إلا أنه لا يتجه لأن الصلاتين اللتين قبلها وبعدها مختلفتان.
وحجة من قال إنها المغرب لضيق وقتها وانشغال الناس عنها بالأعمال والطعام والنزهة.
وحجة من قال إنها العشاء كراهية الحديث بعدها إلا بخير وسنيّة تأخيرها إلى ثلث الليل لما فيه من قطع السمر المنهي عنه. ولكل وجهة وأحسنها أو لها لقوله تعالى (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) الآية المارة من الإسراء، أي يدونها ملائكة الليل والنهار لرؤيتهم لها بخلاف سائر الأوقات، وقال الشيخ محي الدين في فتوحاته إنها الوتر لقوله صلّى الله عليه وسلم: إن الله زادكم صلاة وهي الوتر ألا فصلوها إلخ، وقوله: الوتر حق فمن لم يوتر فليس مني وكرره، ولختمه تعالى الآية بقوله:
(وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) وفيها القنوت في بحث مطول فراجعه. ومن أراد أن يصيبها يقينا فعليه المحافظة على كل الصلوات لأن الحكمة من إخفائها هذا كساعة الإجابة من يوم الجمعة وليلة القدر من رمضان والاسم الأعظم من الأسماء الحسنى ليستغرق العبد أوقاته في الدعاء والذكر والصلاة وإحياء الليالي فيصيب الهدف.
«وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ»(٢٣٨) خاشعين خاضعين لهيبته وعظمته في صلاتكم وصيامكم وذكركم وقيامكم ودعائكم مطيعين له في كل ما يأمر وينهى، وفي هذه الجملة إشارة إلى أنها الصبح لأن القيام من النوم يكون فيها، والقنوت الذي أخذ به الإمام الشافعي فيها، والخشوع فيها أكثر من غيرها لأن الإنسان ينتبه من نومه صافي القلب لم يشغله شاغل عدا ذكر الله، وإنما ذكر الله تعالى الصلوات في تضاعيف أحكام الزواج والطلاق والنفقات والرضاع إيذان بشدة الاعتناء بها والمثابرة عليها