للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا حساب لها لأن عطاء الله لا يدخل تحت الحساب فضلا عن وصفه بالكثرة لأنه يبارك له في نفسه وماله وولده «وَاللَّهُ يَقْبِضُ» الرزق فيقتره على من يشاء لا بسبب الإنفاق «وَيَبْصُطُ» يوسعه ويكثره على من يشاء لا بسبب البخل «وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢٤٥» فرادى كما بدأكم أول مرة وتتركون ما خولكم إياه من مال وولد وراءكم في الدنيا وتحاسبون عليهما في الآخرة، فقدموا لأنفسكم ما استطعتم من الخير تربحوا وتنجحوا. أمر الله تعالى قوم ذي الكفل المذكورين بالجهاد بعد أن أحياهم وأخبرهم بفضله تمهيدا لشكره على ما أنعم به عليهم وقد نسبها لهم مع أنها من جملة أفضاله تكريما، قال عطاء الله الاسكندري: ومن فضله عليك أنه خلق ونسب إليك وقد أخبرهم أن من جاهد فكأنما أقرض الله نفسه وماله وقد تعهد الله بمضاعفة هذا القرض ومن أوفى بعهده من الله ومن يتعهد له الله يغنيه ويكفيه عن غيره. ويطلق القرض على كل ما أسلفه الرجل من خير أو شر، قال أمية ابن الصلت:

كل امرئ سوف يجزى فرضه حسنا ... أو سيئا أو مدينا كالذي دانا

وإن القبض والبسط في الرزق لحكمة تقتضيها إرادة الله لا لكون الرجل تقيا أو شقيا، فمن عرف هذا وأيقن بأن الخير فيما يختاره الله لعبده لا فيما يتصوره هو هان عليه ذلك ورضي بما عنده واستراح، قال القائل:

إذا ما تمنى الناس روحا وراحة ... تمنيت أن أشكو إليك وتسمع

فمن يشكو إلى الله ما يلاقيه منه يسمع خيرا ويصرف النظر عن الدنيا وينكب للآخرة، وقيل في المعنى:

تزود من الدنيا فإنك راحل ... وبادر فإن الموت لا شك نازل

وإن امرأ قد عاش سبعين حجة ... ولم يتزود للمعاد لجاهل

ودنياك ظل فاترك الحرص بعد ما ... علمت فإن الظل لا بد زائل

وعليه فليثق الإنسان بربه، وليقنع بما أعطاه، وليتيقن أن الخير في الواقع، وليحذر أن يكثر على ربه الأماني، فالكيس من دان (حاسب) نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني. وليعلم هذا وأمثاله أن:

<<  <  ج: ص:  >  >>