ذلك الإنسان المذكور في صدر السورة. رسول الله الذي وعظه وبشّره وأنذره «وَلا صَلَّى ٣١» لربه وسبحه وعزره (وَلكِنْ كَذَّبَ بالله وبما أنزل على رسوله «وَتَوَلَّى ٣٢» عنه ولم يؤمن به «ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى ٣٣» يختال ويتبختر في مشيته لانّها مأخوذة من المط أي يتمطط لأن المتبختر يمد خطاه فقلبت الطاء ياء كراهية اجتماع الأمثال (أَوْلى لَكَ أيها الفاسق الفاجر «فَأَوْلى ٣٤» لك «ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ٣٥» هذا جملة موضوعة للتهديد والوعيد وفي تكرارها ما يدل على شدة ما يراد به وقيل معناه أنك أجدر وأحق بالعذاب القاسي وأولى به من غيرك وهو وجيه، منطبق على المعنى المراد، وقيل في معناها: ويل لك ثم ويل لك دعاء عليه بالهلاك، وعلى كل فهو تهديد ووعيد اليه مكرر من الله المرة بعد المرة، أي أن ذلك الإنسان السيء أجدر بهذا العذاب وأحق به من غيره. قال قتادة: ذكر لنا رسول الله لما نزلت هذه الآية (في حق عدي بن ربيعة حليف بني زهرة ختن الأخنس بن شريق الثقفي الذي كان يقول فيهما حضرة الرسول: (اللهم اكفني جاري السوء بعينهما) أخذ بمجامع ثوب أبي جهل بالبطحاء، وقال له (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) فقال أبو جهل- عليه اللعنة- أتوعدني يا محمد؟ والله ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا، وإني لأعزّ من مشى بين جبليها، فلما كان يوم بدر صرعه الله، فأذله وقتله شر قتلة.
وكان صلّى الله عليه وسلم يقول: لكل أمة فرعون، وفرعون هذه الأمة أبو جهل، وأنزل الله في حقه «ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ» الآية ٣٩ من سورة الدخان ج ٢ أي يقال له هذا عند إدخاله جهنم بمقابلة قوله ذلك قال تعالى «أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ» أل فيه للجنس فيشمل كافة أفراده إذ لم يرد به إنسان مخصوص بل مطلق إنسان «أَنْ يُتْرَكَ سُدىً ٣٦» هملا مهملا لا يؤمر ولا ينهى ولا يكلف ولا يحاسب ولا يعذّب، (وكلمة سدّى) لم تكرر في القرآن كلا لا يترك بل لا بد له من ذلك، ثم طفق جل شأنه يذكرهم مبدأ الخلقة، ومن أين هي، وما هي؟
وعوده إلى جيفة قذرة، يتذكر الإنسان بها حالة طيشه فقال عز قوله «أَلَمْ يَكُ