للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تأخير الأجل فقط، والبيع ليس كذلك، لأن البدل فيه من غير جنس المبدل منه، ولأن الريح في قيمة المال البيع لا بنفس المال ولا من جنسه، فإذا باع ثوبا قيمته عشرة بأحد عشر، فقد جعل ذات الثوب بمقابل الأحد عشر، وجعل التراضي عليه، فلم تكن هذه الزيادة بغير عوض، وفي الربا يكون الزائد بغير عوض، لأنه يعطيه عشره ويأخذ منه أحد عشر مثلا، فتكون هذه الزيادة بمقابل الإمهال فقط، والإمهال لا يكون عوضا مقابلا لهذه الزيادة لأنه ليس مالا ولا شيئا من جنس المال المعطى. وأعلم أن ما حرم بالنقدين حرم بغير هما من مكيل وموزون من الأشياء الستة المبينة بالأحاديث الآتية، لأن العبرة بالفضل، فكل ما كان متفاضلا لا يجوز كما سنيينه بعد «فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى» وامتنع عما نهي عنه «فَلَهُ ما سَلَفَ» قبل النهي فلا يؤاخذ عليه البتة «وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ» فإنه يعفو عنه بامتثاله وامتناعه عن تعاطيه، فلا يطالبه بما تقدم عن زمن النهي «وَمَنْ عادَ» إلى فعل ما نهي عنه واستحل أخذ الزيادة عن رأس ماله وأمر على تعاطيه «فَأُولئِكَ» الذين تمادوا على الربا هم «أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ» (٢٧٥) لا يخرجون منها أبدا وهكذا كل مستحل ما حرم الله عليه، لأنه يكون كافرا بالاستحلال، فيستحق الخلود كالكافرين بالله المشركين به. واعلم أن آية الربا هذه من آخر آيات القرآن نزولا إذ لم ينزل بعدها إلا آية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) الآية ٤ من سورة المائدة الآتية، وآية (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) ٢٨٤ الآتية. روى مسلم عن جابر قال:

لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال هم سواء.

وسبب تحريمه منع الناس من الاتجار بأموالهم بأنفسهم وبالواسطة، وانقطاع المعروف بين الناس، لأن المرائي لا تطيب نفسه أن يقرض أخاه دون فائدة تعود عليه، ويؤدي إلى حرمان الناس من أجر القرض الذي هو أفضل من الصدقة، ويسبب زيادة المال بلا تعب أو مشقة، ويأمن من خوف التلف والخطر في الأجل والسفر، فضلا عن هذه الأسباب فإن ما حرمه الله نصا وجب الانتهاء عنه اتباعا لأمر الله وامتثالا له توا دون الوقوف على سببه، لأن الله تعالى مالك الخلق، والمالك

<<  <  ج: ص:  >  >>