واعلم أن هؤلاء لو كانوا من خواص الصحابة لما خطر لهم ذلك ولعرفوا المغزى من قوله تعالى (يُحاسِبْكُمْ) ولم يثقل عليهم ذلك هذا وليعلم أن النسيان ضد التذكر والخطأ ضد العمد ولما كان التحرز عنهما ممكنا وأنهما إنما ينشآن من التفريط وقلة المبالات ونحوهما مما يدخل تحت التكليف جازت المؤاخذة عليهما ولولا هذا لما كان لسؤال عدم المؤاخذة عنهما معنى إلا أنه تعالى خفف عن هذه الأمة فرفع عنها المؤاخذة بهما بما ألهمهما من هذا الدعاء، وقد صح عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. ولفظ رفع يشير إلى ذلك، ويفهم من هذه الآية والحديث أن الأمم السالفة كانت تؤاخذ بهما وأن عدم المؤاخذة بهما من خصائص هذه الأمة، يدل على هذا ما قيل إن بني إسرائيل إذا نسوا شيئا مما أمروا به أو أخطأوا فيما نهوا عنه عجلت لهم العقوبة فيخرم الله عليهم بها شيئا مما كان حلالا لهم من مطعم أو مشرب على حسب ذلك الذنب، فأمر الله المؤمنين أن يسألوه ترك مؤاخذتهم على شيء من ذلك، قال تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) الآية ١٨٥ المارة، وعلى هذا فإن ما يصدر من التفريط وقلة المبالاة وسبق اللسان يدخل تحت العسر ويوشك أن لا يؤاخذنا الله عليه برحمته «رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا» فلم يقدروا على الوفاء به فعذبتهم عليه، والإصر هو العهد والميثاق الثقيلان الغليظان مثل قتل النفس لأجل قبول التوبة، وقطع العضو المخطئ وطرف الثوب للنجاسة وأداء ربع المال في الزكاة، والفضيحة بالذنب إذ يجدها المذنب مكتوبة على باب داره وغيرها من التكاليف الشاقة التي ابتلى الله بها اليهود لسوء أعمالهم، لأننا لا نستطيع تحملها لما ترى من ضعفنا «رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ» من أمثال تلك الأشياء، «وَاعْفُ عَنَّا» ما سبق من كبائر ذنوبنا وامحها عنا بفضلك «وَاغْفِرْ لَنا» صغائرها وما وقع منا سهوا وخطأ ونسيانا وإكراها برأفتك، ولا تفضحنا بشيء فعلناه «وَارْحَمْنا» رحمة عامة شاملة تطهر قلوبنا بها من وساوس الشيطان وخطرات النفس وحديث القلب وما يحوك في الصدر، ونجنا من عقابك وعذابك وعتابك.
وهذه الثلاثة بمقابل الثلاثة قبلها، وفي معناها قيل: