لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء ولعل الله أن يريك منا ما تقرّ به عينك، فسرّ بذلك وساروا على بركه الله. روى مسلم عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب حدثه عن أهل بدر، قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس، يقول هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله، وهذا مصرع فلان غدا إن شاء الله، وهذا مصرع فلان غدا إن شاء الله، فوالذي بعثه بالحق ما أخطئوا الحدود التي حدها رسول الله لهم. قال فجعلوا في بئر بعضهم على بعض، فانطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى انتهى إليهم، فقال: يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقا؟ فإني قد وجدت ما وعدني الله حقا، فقال عمر يا رسول الله كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟ فقال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا علي شيئا راجع الآية ٢٢ من سورة فاطر في ج ١ والآية ٤٦ من سورة المؤمن في ج ٢ تجد ما يتعلق في هذا البحث. قال تعالى «إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ» في قتال بدر. وقد خاطبه الله تعالى بلفظ الجمع تعظيما لحضرته. روى مسلم عن ابن عباس، قال حدثني عمر بن الخطاب قال:
لما كان يوم بدر نظر رسول الله إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، فاستقبل نبي الله القبلة ثم مد يده فجعل يهتف بربه يقول اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتني ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض، فما زال يهتف بربه مادا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبه، فأتاه أبو بكر فأخذ بردائه وألقاه على منكبه، ثم التزمه من ورائه وقال يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك إن شاء، فأنزل عليه «فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩) » غيرهم وراءهم مثلهم أو أكثر، لأن الردف أغلبه واحد، وقد يكون اثنين عند البشر، أما الملائكة فلا تحديد لردفهم. واعلموا أيها المؤمنون أن هذا الإمداد ما كان «وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى» لكم بالنصر والظفر «وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ» هيئه وأرسله إليكم «وَمَا النَّصْرُ» في الحقيقة لكم «إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» لا من الملائكة ولا من غيرهم وإنه لو لم يرسلهم لنصركم بأمر من عنده