مخاصمة وبيّنة. وهي عامة في كل من هذا شأنه من الطرفين، وقد بينا ما يتعلق بحق الأمانة أول سورة المؤمنين في ج ٢ فراجعها ولبحثها صلة آخر سورة الأحزاب الآتية. قال تعالى «بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ» الذي عاهد عليه ربه في التوراة الذي من جملته لزوم أداء الأمانة إلى أي كان «وَاتَّقى» الخيانة فيها والمماطلة بدفعها إذ عليه أن يؤدي ما ائتمن عليه لأنه من الوفاء المأمور به، والتقوى التي هي أساس الدين «فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ»(٧٦) روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا» قلله الله تعالى لأنه مهما كان كثيرا فهو قليل بالنسبة لما ينجم عنه، لأن فيه أكل مال الغير بغير حقه وهو عظيم عند الله تعالى لأنه أعظم من أكله أموال الناس بالباطل، راجع الآيتين ١٨٨/ ٢٨٢ من سورة البقرة المارة، والآيتين ٢٨/ ٧٢ من سورة الأحزاب الآتية، ولهذا قد وجه الله تعالى إلى أمثال هؤلاء الذمّ والمهانة في الدنيا، وأكبر لهم العقاب في الآخرة بقوله «أُولئِكَ» الذين هذا شأنهم في خيانة الأمانة وبيع آيات الله بالثمن البخس وكتم ما أنزل الله فيها وتبديله أو تغييره والحلف كذبا ولا يضعون نصب أعينهم العاقبة الوخيمة ولا يتخيّلون ما رتب الله عليهم من العذاب «لا خَلاقَ» حظ ولا نصيب «لَهُمْ فِي» منافع ونعيم وفضل «الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ» بما يسرّهم فيها «وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ» نظر رحمة وعطف «يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ» من أدران الذنوب وأوساخ العيوب «وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ٧٧» لا تطيقه قواهم. يدخل في هذه الآية رؤساء اليهود كأبي رافع ولبابة أبي الحقيق وكعب بن الأشرف وحيي بن أخطب وأضرابهم الذين اعتادوا هذه الأفعال القبيحة تجاه ما يأخذونه من رعاعهم.