«فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ٢٢» قوي جدا يرى ما كان محجوبا عنه في الدنيا بسبب غفلتك عن النظر إلى قدرتنا والسماع لأوامرنا والتفكر في مصيرك ومصنوعاتنا «وَقالَ قَرِينُهُ» الملك الموكل به الشهيد عليه الكاتب لأعماله «هذا ما» أي الديوان الذي «لَدَيَّ» عن سجل أعمالك «عَتِيدٌ» مهيأ ظاهر حاضر فينظر فيه فإذا هو والعياذ بالله جامع لكل شيء، وهو الكتاب المنوه به في الآية ١٤ من الإسراء الآتية، فيقول الله حينذاك، وهو أعلم بما فيه قبل إظهاره لأنه مدون في لوحه للسائل وللمشاهد اللذين جاءا به «أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ٢٤ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ» في الدنيا «مُعْتَدٍ» على نفسه وعلى غيره، يمنع خيره، ويوقع شره وضره «مُرِيبٍ ٢٥» شاك في التوحيد وفي هذا اليوم وهو «الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ» من أصنام وغيرها «فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ ٢٦» الكائن في الطبقة السفلى من طبقات النار أعاذنا الله منها «قالَ قَرِينُهُ» شيطانه الذي قيض له السوء المنوه به في الآية ٣٠ من سورة الزخرف في ج ٢ والوارد ذكره في قوله صلّى الله عليه وسلم ما من أحد الا وقد وكل به قرينه من الجن قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال ولا أنا، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني الا بخير هذا وإن بعض المفسرين فسر القرين الأول بالشيطان، وبما أن الجمهور على خلافهم فسرناه بالملك لأن سياق الآية بدل عليه، ويأبى الآخر، فانظر ماذا ترى. ولفظ القرين من النوع المبهم أحد أقسام البديع في الكلام، ولهذا فإنه يفسر بنسبة المقام كما جرينا عليه «رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ» أي ما أجبرته على الطغيان ولا أوقعته فيه، وهذا بعد أن سئل وقال أطغاني الشيطان، فيدافع الشيطان عن نفسه معتذرا ثم يقول «وَلكِنْ كانَ» هو يا رب غارقا «فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ٢٧» عن الحق وسبله، إذ اختار بطوعه ورضاه الضلال على الهدى وأكب على الردى، فيقول الكافر يا رب كذب هو الذي سوّل لي الشر وحسّن لي القبيح فأراد الشيطان أن يكذبه ثانيا فقطع الله. عليه كلامه «قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ» الآن اسكتوا لأني أرسلت إليكم رسلا «وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ٢٨» على ألسنتهم وبالكتب