المبالات بهم وإلا فإن الله تعالى يعلم أن ما لنبيّه من حاجة لمشورة أحد من خلقه ولكن أراد استجلاب عطفهم على رسوله وانفراز مودته في قلوبهم وجعل المشورة سنة لمن بعده على الإطلاق وعلى كل الرأي بعد المشورة له خاصة وليس عليه أن يتقيد برأيهم لأنه أوسع فكرا منهم وأصوب رأيا وأكبر تدبيرا وتدبرا في العواقب.
وهذا في الأمور التي لم ينزل فيها وحي أما ما نزل فيها الوحي فلا خيار له هو نفسه فيه فضلا عن أخذ رأي غيره. واعلم أن المشاورة في الأمور ممدوحة مطلوبة ومحمودة قال بعضهم:
وشاور إذا شاورت كل مهذب ... لبيب أخى حزم لترشد بالأمر
ولا تك ممن يستبد برأيه ... فتعجز أو لا تستريح من الفكر
الم تر أن الله قال لعبده ... وشاورهم في الأمر حتما بلا نكر
وعلى المستشير ألا يشاور من لا يثق به ولا يحبه ولذلك قالوا سبعة لا يشاورون:
١- جاهل لأنه يضل ٢- وعدو لأنه يريد الهلاك ٣- وحسود لأنه يتمنى زوال النعمة ٤- ومراء لأنه يقف مع رضاء الناس ٥- وجبان لأنه يهرب من كل ما يرعب فلا يميل إلا إلى سفاسف الأمور ٦- وبخيل لأنه يحرص على ماله فهو على نفسه أحرص فلا رأي له في العز ٧- ذوي هوى لأنه أسير هواه فلا خير في رأيه. وقالوا أيضا لا يشاور معلم الصبيان الذي لا يخالط الناس لقصر رأيه ولا راعي غنم يقوم معها وينام معها، ومن يخالط النساء دائما، وصاحب الحاجة لأنه أسير حاجته فيلائم صاحبها على رأيه، ويشاور من عناهم القائل بقوله:
عليم حكيم ما هو عند رأيه ... نظار إلى ما تبدوا إليه مذاهبه
بصير بأعقاب الأمور كأنما ... يخاطبه عن كل أمر عواقبه
وقال صلّى الله عليه وسلم المستشار مؤتمن وعليه يجب على العدو إذا استشاره عدوه أن يسديه نصحه هذا، وإذا استشرت صاحبك فأشار عليك بما لم تره موافقا أو لم تحمد عاقبته فلا تلمه أو تعاقبه لأنه أدى لك ما يحبه لنفسه وأنت غير ملزم برأيه. قال تعالى «فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ» أي إذا قطعت الرأي بعد المشورة التي هي كالاستيناس والاستطلاع لأن في احتكاك الآراء يظهر القصد الأحسن من الحسن