مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجرى عليه رزقه وأمن من الفتان.
قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ» أي المنافقين لأنهم كفروا بعد إيمانهم فغبنوا وخابوا وخسروا أنفسهم لأنهم ببيعتهم الخاسرة «لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً» بل خسروا أنفسهم وحدها في الدنيا «وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ»(١٧٧) في الآخرة، ولا تكرار في جملة (لن يضروا الله) وفي جملة (ولهم عذاب أليم) لأنها في الآية الأولى في جميع الكفار وهذه في المنافقين المتخلفين فقط وتلك مختومة بلفظ عظيم وهذه بلفظ أليم. قال تعالى «وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا» بتاء الخطاب لحضرة الرسول وبالياء على الغيبة لعموم الكفار، ولا يخصصها قول من قال إنها نزلت بالمشركين وبعض يهود بني قريظة والنضير الذين سبق ذكرهم وسبق في علم الله عدم إيمانهم «أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ» نمهلهم ونؤخرهم ليعتقدوا أن ذلك «خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ» كلا لا يظنوا ذلك بل هو شر لهم بدليل قوله عز قوله «إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً» فتكثر أوزارهم في الدنيا «وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ»(١٧٨) في الآخرة ينسون بكبير هوانه عز الدنيا وما فيها لو كانت كلها لهم.
روى البغوي بسنده عن عبد الرحمن عن أبيه قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم أي الناس خير قال من طال عمره وحسن عمله، قيل فأي الناس شر؟ قال من طال عمره وساء عمله. وقال ابن الأنباري: قال صلّى الله عليه وسلم إذا رأيت الله يعطي على المعاصي فإن ذلك استدراج من الله لخلقه، ثم تلا هذه الآية. قال تعالى «ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ» بحيث لم يعرف المخلص من غيره «حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ» وذلك أن المؤمنين سألوا رسول الله آية يعرفون بها المخلص من المنافق، فأنزل الله هذه الآية أي لم يترككم على هذا الاختلاط والالتباس بل لا بد وأن يبين المؤمن الموقن والكافر المصر. وهذا بعد واقعة أحد، لأن المؤمن ثبت على إيمانه وازداد إخلاصا، والمنافق جاهر في نفاقه وازداد كفرا فظهر للناس حال الطرفين «وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ» أيها المؤمنين توا لتميزوا بين الطرفين لأن هذا من الغيب وهو من خصائص الله. واعلم أن فعل يذر لا ماضي له، راجع الآية ٢٧٨ من البقرة المارة، ت (٢٨)