بكيفية اختراعهما وعظمهما وبناء السموات وبسط الأرض وإبداعهما على غير مثال سابق وما فيهما من الكواكب المسخرة لمنافع الخلق والجبال التي لولاها لمادت بأهلها والوديان والأنهر والمعادن المختلفة والنظر في كيفياتها وكمياتها وأشكالها وألوانها واختلاف سيرها، ويديمون هذا في جميع أحوالهم دون غفلة، ثم يقولون «رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا» ولا عبثا ولا لعبا بل لحكم أردتها «سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ»(١٩١) وهذا تعليم من الله لعباده بأن يقولوا هكذا ويثنوا على الله بما هو أهله وينزهونه عما لا يليق بحضرته الكريمة كلما نظروا إليهما ثم يذكرون حاجتهم.
وفي الآية دلالة على صحة صلاة المريض والرخصة فيها. روى البخاري عن عمران ابن حصين قال كانت بي بواسير فسألت النبي صلّى الله عليه وسلم عن الصلاة، فقال صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب. ودليل على ندب ذكر الله تعالى في كل حال والمداومة عليه، روى مسلم عن عائشة قالت كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يذكر الله عز وجل في كل أحيانه. وأخرج أبو ذر عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: من قعد مقعدا لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة (نقص وتبعة) ومن اضطجع مضجعا لا يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة وما مشى ممشى لا يذكر الله فيه إلا كانت من الله عليه ترة أي حسرة وندامة مستمرة لا تتلافى. والفكر اعمال الخاطر في الشيء وتردد القلب فيه، وهو قوة متطرقة للعلم إلى المعلوم، والتفكر جريان تلك القوة بحسب نظر العقل ولا يمكن التفكر إلا فيما له صورة في القلب، ولهذا قالوا تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله لأنه منزه عن الصورة، ولذا قال تعالى (ويتفكرون في خلق) الآية أي في عجائبها وغرائب صنعها، وكون السماء بلا عمد أو بعمد لا ترى، وكون الأرض على الماء أو الهواء راكدة أو متحركة بيضوية أو مدورة أو مربعة أن مستطيلة للاستدلال بذلك على قدرة القادر وحكمته البالغة، وليعلموا أن خالقهما عظيم ومدبرهما حكيم وان عظم الخلق يدل على عظم الخالق وعظمة آياته:
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
ولينظر إلى آثار قدرته في هذين الهيكلين العظيمين وإلى من فيهما من الخلق: