أخرج الترمذي عن أم سلمة قالت: قلت يا رسول الله ما أسمع ذكر النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله هذه الآية، ثم خاطب سيد المخاطبين بقوله «لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ»(١٩٦) على حد (إياك أعني واسمعي يا جارة) لأنه صلّى الله عليه وسلم لا يغتر بذلك وإنما أراد به غيره كما في أمثال هذه الآية من الآيات آخر سورة القصص في ج ١ وشبهها أي لا تغتر أيها الإنسان بما ترى من ذلك لأنه «مَتاعٌ قَلِيلٌ» يتمتعون به في هذه الدنيا الفانية القليلة ثم يتركونه فيها وبالا عليهم «ثُمَّ مَأْواهُمْ» في الآخرة «جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ»(١٩٧) هي لأهلها.
قيل إن بعض المؤمنين لما رأى حالة الكفار قال أرى أعداء الله في سعة من العيش ونحن أصحاب محمد وأحباب الله في جهد منه، فأنزل الله هذه الآية تنديدا بسعة الكفرة وأنزل بعدها ما يسر المؤمنين بقوله «لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ» عنده في الآخرة خير مما أعطاه لأعدائه في الدنيا وهو «جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها» أبدا، ويقول الله تعالى جعلناها لهم «نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» إكراما لهم وتقدمة لقراهم «وَما عِنْدَ اللَّهِ» المعطي هذا النزل لعباده أولا من النعيم الدائم والخير الوافر ما هو «خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ»(١٩٨) من الدنيا وما فيها جزاء أعمالهم الحسنة وإحسانهم لغيرهم وهو خير مما يتقلب به الكافرون من حطام الدنيا وزخارفها الزائلة المنغمصة بالأكدار، روى البخاري عن عمر بن الخطاب قال: جئت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فإذا هو في مشربة غرفة أو علية وانه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف وعند رجليه قرط مصبور (القرط ورق السلم نبات معروف، ومصبور معناه مجموع كالصبرة من الطعام) وعند رجليه أهب (أي جلود) معلقة، فرأيت أثر الحصير في جنبه، فبكيت، فقال ما يبكيك؟ قلت يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هم فيه وأنت رسول الله؟ فقال أما ترضى يا ابن الخطاب أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ قال بلى يا رسول الله. قال تعالى «وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ» يؤمن ب «ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ» من القرآن «وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ» من التوراة والإنجيل «خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا» كغيرهم ممن ت (٢٩)