للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والدار مانعان من الإرث كالرق والكفر، وقبل نزولها كانوا يتوارثون فيما بينهم لأن إخوانهم المؤمنين الذين هم معهم في دار الإسلام أولى بإرثهم من أقاربهم الكفرة والذين في دار الحرب. ولا نسخ في هذا البتة لأن الأمر كما ذكر، ولأن ما كانوا يتعاملون به بينهم لم ينزل فيه قرآن، ولأن آية الأنفال لم تعقب بما تعقبت به هذه الآية بل ختمت بقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وان اختلاف الدار مانع من الإرث عند أبي حنيفة وعليه العمل حتى الآن والأولوية هذه ثابتة ازلا «فِي كِتابِ اللَّهِ» بسابق حكمه ومدون في لوحه إن أولي الأرحام أولى «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ» المتآخين قبلا في حق الولاية الدينية التي وقعت بعد الهجرة، وهذا هو الأولى والأحق بالإرث «إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً» بأن توصوا إليهم بشيء من أموالكم فلا جناح عليكم بذلك، وهذا الحكم محق ثابت مستمر إلى الأبد، إذ يجوز للرجل أو المرأة أن يوصيا بشيء من مالهما لأقاربهما الذين لا يرثون ولخدمهما وعبيدهما وأصدقائهما وغيرهم من الأقارب غير المسلمين راجع الآية ١٨٠ من سورة البقرة المارة، وقوله صلّى الله عليه وسلم لا وصية لوارث «كانَ ذلِكَ» المذكور في هذه الآية من التوارث وغيره «فِي الْكِتابِ» الأزلي المحفوظ عند الله «مَسْطُوراً» (٦) مثبتا، وقد أنزلناه عليكم الآن لتعملوا به. وهذا أيضا من التدريج في الأحكام الملمع إليه في المقدمة جريا على سنن الكون وتغيراته، والله أعلم بما ينزل، واعلم بحاجة الناس ومصلحتهم. قال تعالى «وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ» بتبليغ ما أرسلوا به ردعوة الناس إليه «وَمِنْكَ» يا سيد الرسل «وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ» وسائر النبيين أيضا أخذنا هذا العهد، وإنما خص هؤلاء الخمسة على جميعهم الصلاة والسلام لأنهم أصحاب الكتب والشرائع وأولو العزم المتفق عليهم، راجع آخر سورة الأحقاف ج ٢ في بحثهم وقدّم محمدا في الذكر مع أنه آخرهم بعثا ووجودا تشريفا له وتفضيلا واشارة إلى أنه أول الخلق معنى وذكرا، فقد روى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال كنت أول النبيّين في الخلق وآخرهم في البعث وهذا الحديث مستقى من هذه الآية لأنها تدل على أنه أول خلق الله بدليل أخذ هذا العهد «وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً

<<  <  ج: ص:  >  >>