ما أنتم لها بأهل ولا ترجى منكم لأنها لا تكون إلا «لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ» إيمانا صادقا وإيقانا خالصا عن نية حسنة «وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً»(٢١) في السراء والضراء عن عقيدة صالحة لا المنافقين الذين يؤمنون بألسنتهم فقط ولا يذكرون الله إلا قليلا رياء وسمعة. وبعد أن وصف الله المنافقين بما وقع منهم وبما هم عليه نعت المؤمنين بما سيصدر منهم فقال جل قوله «وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ» من النصر والظفر قد آن أوانه «وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» بما وعدا وهذا بمقابلة قول المنافقين ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا «وَما زادَهُمْ» مجيء الأحزاب وإحاطتهم بهم وتثبيط المنافقين هزيمتهم «إِلَّا إِيماناً» بالله ورسوله «وَتَسْلِيماً»(٢٢) لأمرهما وانتظارا لوعدهما.
قال تعالى «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ» من الثبات للقاء العدو عكس المنافقين إذ زادهم اللقاء جبنا وإنكارا لما وعدهم الله ورسوله وتكذيبا وجحودا، أما هؤلاء الكرام «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ» فمات شهيدا في واقعة أحد المارة وفاء بنذره وعهده وميثاقه على الاستمرار في القتال حتى النهاية «وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ» الشهادة، ويتوقعها باشتياق للفوز بما عند الله من الكرامة للشهداء المار ذكرهم في الآية ١٦٩ من آل عمران والآية ١٥٧ من البقرة المارتين، والأوبة بالسعادة «وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا»(٢٣) ما في وعدهم بل ثبتوا عليه وقاموا به ووقوه كاملا «لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ» إذ لا حتم عليه في تعذيب الكافر ولا جزم عليه في إثابة المؤمن «أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ» بأن يشرح صدورهم للإيمان فيدخلهم الجنة بفضله «إِنَّ اللَّهَ كانَ» ولن يزال «غَفُوراً» لمن يشاء من عباده «رَحِيماً»(٢٤) بمن شاء منهم لا قيد عليه في شيء أبدا «وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ» وحنقهم وقبض صدورهم وضيق ذرعهم وانكماش وجوههم واكفهرار ألوانهم «لَمْ يَنالُوا خَيْراً» نصرا ولا ظفرا ولا غنيمة من المؤمنين البتة بل نكسوا على رؤوسهم وردوا على أعقابهم مدحورين «وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ» بتسليط الريح العظيمة التي لم تقاوم لأنها من غضب الله أعاذنا الله منه والجنود التي أرسلها الله على الأحزاب الغير مرثية لا نعلمها