الأوس ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم؟ قالوا بلى، قال فذاك إلى سعد ابن معاذ، فرضوا وذهبوا إليه وأتوا به من خيمة رفيدة التي كانت تداوي المرضى لأنه لم يشف من جرحه الذي أصابه في وقعة الخندق حينما قتل علي ابن ود العامري المار ذكره في الآية ٢٥، فلما وصل قال صلّى الله عليه وسلم قوموا لسيدكم، فقاموا إليه وأنزلوه، وقالوا له يا أبا عمرو أحسن إلى مواليك فإن رسول الله حكم فيهم، قال قد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم، فقال لهم عليكم عهد الله وميثاقه أن الحكم فيهم ما حكمت؟ قالوا نعم، وقال صلّى الله عليه وسلم نعم، قال إني أحكم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبي الذراري والنساء، فقال صلّى الله عليه
وسلم لقد حكمت بحكم الله، يعني الآيتين ٢٦- ٢٧ المارتين اللتين نزلتا فيهم، وإنما حكم بهذا الحكم القاسي برأيه دون مشورة أحد وصوبه حضرة الرسول لأنهم نقضوا عهد رسول الله في وقعة الخندق المارة في حالة هي أشد الأحوال على المسلمين، وأرسل سعد إلى خيمته وبسببهم نجم النفاق وألقى الخوف في قلوب الناس أجمعين. وهو حكم موافق لما في علم الله أزلا وألقاه على قلب سعد، كما ألقى في قلوبهم الرضاء بحكمه، فقتلوا الرجال وهم ستمائة، وقيل سبعمائة، وقسم رسول الله صلّى الله عليه وسلم الذراري والنساء ما بين السبعمائة والألف، وقسم أيضا الأموال بين المسلمين. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أعز جنده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، فلا شيء بعده، وروى البخاري عن سلمان بن مسروق قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول حين أجلى الأحزاب الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم، قال تعالى «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ» متعة الطلاق «وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا»(٢٨) من غير إضرار بالإمساك إن كنتن لا تردن البقاء على حالتكنّ هذه معي على ما هي عليه من الضيق والضنك «وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ» فتصبرن على ما أنتنّ عليه ولا تكلفني ما ليس عندي فتكونن من المحسنات «فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً»(٢٩) نزلت هذه الآية لما سألن رسول الله زيادة نفقتهن وآذينه بغيره بعضهن هجرهن وآلى أن لا يقربهن شهرا. روى مسلم