فإنه صلّى الله عليه وسلم آلى على ذلك وبرّ بيمينه. روى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلم اقسم أن لا يدخل على أزواجه شهرا وكن خمسا من قريش عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر وأم حبيبة بنت أبي سفيان وأم سلمة بنت أمية وسودة بنت زمعة وأربعا غير قرشيات زينب بنت جحش الأسدي وميمونة بنت الحارث الهلالية وصفية بنت حي بن اخطب الخيبرية وجويرية بنت الحارث المصطلقية وكلهن من لم يلدن له شيئا، وكل أولاده من خديجة رضي الله عنها التي كانت منفردة عنده حتى توفيت، وهي أول امرأة تزوجها ولم يتزوج عليها عدا ابراهيم، فإنه من الجارية مارية القبطية التي أهداها له عظيم القبط مع بغلة وطبيب فردّ الطبيب وقبلها والبغلة، فقيل له إنكم في بادية وتحتاجون للطبيب أكثر من غيركم، فقال لا حاجة لنا به إنا قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لم نشبع. أي أن الطبيب يحتاج له من يقترف ذلك، ولأن المرض يكون من الأكل والشرب والحر والقر قال الزهري فأخبرني عروة عن عائشة قالت لما مضى تسع وعشرون ليلة أعدهن دخل علي الرسول صلّى الله عليه وسلم فقال (أي عروة قالت عائشة) تراني يا رسول الله قلت أقسمت أن لا تدخل شهرا وانك دخلت في تسع وعشرين أعدهن؟ قال الشهر تسع وعشرون. وسيأتي بحث الإيلاء أول سورة المجادلة إن شاء الله. قال تعالى «يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ» مطلق معصية من نشوز وغيره وإنما سميت معصية الزوج فاحشة من الزوجات هنا بالنسبة لمقام حضرة الرسول لأن كل ما يقع من خلافه فهو عظيم عند الله بالنسبة لمقام رسوله، وإلا فإن الله تعالى صان نساء الأنبياء عن كل فاحشة بمعناها الحقيقي الظاهري، وهذا جار مجرى قوله تعالى (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) الآية ٦٦ من سورة الزمر ج ٢، والشرك في حقه محال، لذلك صرف المفسرون الخطاب لغيره صلّى الله عليه وسلم، أو أنه إليه والمراد به غيره، ثم وصف تلك الفاحشة بأنها «مُبَيِّنَةٍ» ظاهرة معلومة «يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ» وهذا أيضا بالنسبة لمقامه وشرفهن على غيرهن «وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً»(٣٠) كغيره من أفعاله إذ لا يحول دونه أعوان ولا شفعاء ولا اخوان ولا أولياء ولا فرق فيه عنده بين الشريف والوضيع، فكونهن تحت رسوله لا يدفع عنهن