«ذلِكَ» تقريب الملفع لستر الوجه حتى لا يبقى منه إلا ما توجه به طريقها «أَدْنى» أقرب «أَنْ يُعْرَفْنَ» بأنهن حرائر مصونات يتباعد عنهن أهل الفساد ويهابهن كل أحد «فَلا يُؤْذَيْنَ» من قبل أولئك الخبثاء ويجتنبون متابعتهن ولا يظن بهن أنهن إماء مبذولات فلا يتعرض لهن أحد ولا يقذفن بما يقذفن به المشبوهات.
هذه غيرة الله عليكم أيها المؤمنون فغاروا على أنفسكم وحافظوا على مروءتكم وصونوا شهامتكم بحفظ نساءكم إن الله حي ستير يحب الحي والستر «وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً»(٥٩) يعفو عما سبق منكم إذا رجعتم إليه وامتثلتم أوامره في تحجب نسائكم وغيره. وفي هذه الآية دلالة صريحة على ستر الوجه خلافا لما يقوله بعضهم لأن المعرفة المنهي عنها لا تحقق إلا بالوجه، ولذلك أمر الله تعالى بتقريب الجلباب وإدنائه منه على المرأة لئلا تعرف ولو لم يكن المراد به تغطية الوجه لما بقي لهذا القيد من حاجة، ولا بأس بإبداء العين إذا كان الجلباب ثخينا لتتمكن من النظر إلى طريقها أما إذا كان الغطاء شفافا فلا. وقد نهى الله عن النظر إلى المحرمات كما سيأتي تفصيله في الآية ٣١ وما بعدها من سورة النور الآتية، قال إسماعيل حقي في تفسيره روح البيان: يغطين وجوههن كلها. وقال غير واحد إلا عينا واحدة لتنظر بها طريقها، أي إذا لم يكن الغطاء شفافا. وفي قوله تعالى (ذلك أدنى) إلخ، دليل واضح على لزوم الستر للوجه، ولا يحول عن هذا القول إلا قليل المروءة والغيرة الذي يريد أن يسوي بين الحرة والجارية والطاهرة والمشبوهة والمسبلة، قال أنس مرت بعمر بن الخطاب جارية متنقبة فعلاها بالدرة وقال لها يا لكاع أتتشبهين بالحرائر، ألق القناع. قال هذا عمر لعلمه أنها ممتهنة خسيسة مملوكة، ومن كانت كذلك فإن وجهها وذراعيها ليس بعورة، وليظهر ميزة الحرائر اللائي نص الله عليهن في كتابه فلم يبق من حجة لمدعي السفور بعد أمر الله تعالى في هذه الآية العامة لنساء النبي وغيرهن، ألا فليتق الله الرجال لأنهم هم القوامون على النساء القادرون على منعهن من الخلاعة التي هي أكبر من السفور والوزر عليهم إن لم يفعلوا. قال تعالى «لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ» عن قذفهم المؤمنين سرا كان أو جهرا «وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» فجور وهم الزناة لقوله تعالى