الحدود، ونظام الحقوق، وهو حمى الله، وظله الممدود على عباده وبلاده، به يمتنع صريخهم، وينتصر مظلومهم، ويقمع ظالمهم، ويأمن خائفهم. على أن غير العرب في ذلك الزمن كان أكثر وحشية منهم وأشد ظلما وأعظم تكبرا، وحتى الآن توجد فيهم هذه الخصال وأشنع وأقبح وأفظع، كما يذكرونه في جرائدهم.
قال تعالى «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى» الذين هم تحت تربيتكم إذا أردتم الزواج بهن «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ» غيرهن وزوجوهن لغيركم وتزوجوا من شئتم من غيرهن «مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ» أي اثنتين اثنتين أو ثلاثا ثلاثا أو أربعا أربعا فحسب، أما الزيادة على الأربع فحرام عليكم، وليس لكم أن تقتدوا بحضرة الرسول فيما هو من خصائصه، وهذا هو الحكم الشرعي. ولا دليل في هذه الآية على التسع بزعم جواز ضم الأعداد الثلاثة أي جمعها لأنها تكون عشرا لا تسعا بضم الواحدة التي قبل الاثنتين، لأنها مبدأ العدد، ولأن الخطاب للجميع، وسبب التكرار ليصيب كل ناكح يريد الجمع الذي أراده من العدد الذي أطلق له، كما إذا قلت لجماعة اقتسموا هذه الألف درهمين درهمين، أو عشرة عشرة، أو مئة مئة، فإن الواحد يناله أحد هذه الأعداد لا مجموعها، تدبر، يدل على هذا ما أخرجه أبو داود عن الحارث بن قيس قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة فذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال اختر أربعا (أي واترك الباقي) . وما أخرجه الترمذي عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية فأسلمن معه فأمره رسول الله أن يختار منهن أربعا فقط. ومن هنا تعلم أن ما عليه بعض الإمامية ومن حذا حذوهم من تجويز الجمع بين التسعة لا يتفق وصريح الآية المؤيدة بهذه الأحاديث الصحيحة، ومخالف للإجماع، راجع أول سورة فاطر في ج ١. «فَإِنْ خِفْتُمْ» أيها الراغبون في زواج أكثر من واحدة «أَلَّا تَعْدِلُوا» بينهن «فَواحِدَةً» فقط فتقتصرون عليها «أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» من الجواري إذ لا يجب العدل بينهن «ذلِكَ» الاقتصار على الواحدة مع تحقق عدم العدل بين الأكثر أقرب و «أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا»(٣) تميلوا عن الحق الذي أوجبه الله عليكم من القسمة