مثل أمثالهن) قالت عائشة فاستفتى الناس رسول الله بعد ذلك، فانزل (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ) الآية ١٢٧ الآتية، وسيأتي تمام البحث في تفسيرها إن شاء الله تعالى القائل «وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً» عطية وهبة عن طيب نفس ورغبة جنان «فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً» فوهبة لكم بلا تكليف منكم «فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً»(٤) هذا خطاب لأولياء النساء اليتامى وغيرهم، بالنظر لإطلاقها، أي أن الله يأمركم أيها الناس أن تعطوا النساء مهورهن كلها ولا تأخذوا منه شيئا إلا إذا سمحن لكم بشيء منه عن طيب نفس بعد أن يتسلمنه فلا مانع من أن تأخذوه، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا زوجوا المرأة لمن معهم في العشيرة لم يعطوها من مهرها شيئا بل يأخذونه كله إلا ما يمنحونها به من ركوبة أو لباس، وإذا زوجوها غريبا عنهم حملوها على بعير إليه وأكرموها بلباس لا يعطونها غيره، فنهاهم الله عن ذلك، وهذه العادة القبيحة لها بقية أيضا حتى الآن في عرب الأرياف والبادية، وكذلك عند الأكراد والجراكسة، وأيضا الشغار لا زال جاريا بينهم إلا أنهم يعطونها ركوبة ولباسا سواء كانت لقريب أو لغريب لا على الخيار في القريب كما هو في الجاهلية الأولى. الحكم الشرعي:
وجوب إعطاء تمام المهر للزوجة في الشغار وغيره، إذ يجب إعطاء البديلة مهر مثلبا على من يبدلها، وقد نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن الشغار بما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر أن النبي صلّى الله عليه وسلم نهى عن الشغار في العقد، وما روياه عن عقبة بن عامر قال: قال صلّى الله عليه وسلم أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم من الفروج. وذلك لأنهم لا يراعون حقوق البلديات بل يأكلون مهورهن، والأنكى من هذا أنه إذا لم تمتزج إحداهن مع زوجها فتركته أجبرت الأخرى على ترك زوجها أيضا من قبل وليها بصورة لا يرضاها الشرع ولا المروءة، وهذا مما نفت في روع حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى نهى عن المبادلة بالحديثين المارّين وغيرهما. واعلم أن ماجرينا عليه من كون الخطاب للأولياء أولى مما مشى عليه الغير بجعله للأزواج، لأن الخطاب فيما قبلها للناكحين مع أن ذكر الناكحين جاء استطرادا في بحث اليتامى الذي حذر الله أولياءهم من أكل أموالهم، فجعل الخطاب إليهم أيضا بتحذيرهم من أكل المهور