على أن الخطاب في الأصل في هذه الآيات المتقدمة لأولياء الأيتام، وأن المال المذكور مالهم قوله جل قوله «وَارْزُقُوهُمْ فِيها» بأن تتجروا فيها وتنفقوا عليهم من أرباحها لامن أصلها، لأنها إذا لم تزد تنقص وتخلص وتأكلها الزكاة فيصبحون فقراء عالة عليكم وكلا على الناس، وقد جاء بالخبر اتجروا بأموال اليتامى لا تأكلها الزكاة «وَاكْسُوهُمْ» أيضا من نمائها بحسب أمثالهم «وَقُولُوا لَهُمْ» أيها الأولياء الكاملون عند ما يريدون منكم زيادة على المعتاد من النفقة واللباس «قَوْلًا مَعْرُوفاً»(٥) بأن هذا المال لكم وربحه لكم فإذا كبرتم وكنتم صالحين راشدين سلمناكم إياه، فتتصرفون فيه كيفما شئتم وأردتم من طرق التجارة ومن النفقة والكسوة وغيرها، لأنا مكلفون بالاقتصاد بها، وأن لا نتفق عليكم إلا بقدر الكفاية وبنسبة أمثالكم لتسكن أنفسهم ويرغبوا بأن يكونوا أهلا لاستلامها، وهكذا من الكلام الطيب والقول الحسن والأعمال المرغبة شرعا وعقلا لأن الفعل الجميل والكلام اللين يؤثر في القلب فيسبب إزالة السفه عنهم، ولهذا يقول الله تعالى «وَابْتَلُوا الْيَتامى» البالغين الكبار، وسماهم يتامى باعتبار ما كانوا عليه من قبل، أي اختبروهم وامتحنوهم قبل أن تسلموهم أموالهم، ولا تغتروا بكبرهم وشقشة ألسنتهم وأدبهم أمامكم، فإنهم قد يكونون على خلافه مع غيركم. وقد ذكرنا قبلا اليتيم الذي مات أبوه، ومعناه المنفرد، ومنه الدرة اليتيمة، والعجي من ماتت أمه، واللطيم من فقد أبويه «حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ» وزال عنهم اسم اليتيم وصاروا أهلا للزواج بأن أكملوا الثامنة عشرة من عمرهم «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً» بالاختبار الذي أجريتموه وتحققتم رزانة عقولهم وقدرتهم على إصلاح أموالهم وأمانتهم عليها «فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» ليتصرفوا فيها بأنفسهم لأنكم أديتم ما عليكم نحوهم وقمتم بواجبكم في أموالهم، أما إذا لم يتحقق لكم رشدهم ولا صلاحيتهم للانتفاع بأموالهم فلا تعطوهم إياها، والأولى بالولي أن يدفع لليتيم أولا بعض ماله ويأمره بالاتّجار به، فإن تبين له صلاحه ولياقته واقتصاده ووضع ما يصرفه موضعه المقبول أعطاه بقية ماله لأنه راشد يتمكن من التصرف به، وإن رأى العكس فهو سفيه لا يسلمه شيئا، ثم يختبره بالدين فإن رآه مجتنبا الفواحش