السماء وأهبط الأرض وهو على كل شيء قدير وجواب القسم «إِنَّهُ» أي هذا القرآن المنزل عليك يا سيد الرسل «لَقَوْلٌ فَصْلٌ ١٣» جزم قاطع بين الحق والباطل وصل بين الهدى والضلال «وَما هُوَ» كما يقول كذبة قومك وغيرهم «بِالْهَزْلِ ١٤» بل حق جد وحق جزم يترفّع قارئه عليكم ان يلم بهزل أو يتفكه بمزاح أو يتهم بتعليم أو نقل. وقد بلغ الغاية القصوى في الصدق والأمانة فمن شأنه أن يهتدي به الغواة وتخضع لهيبته رقاب العتاة ليس بلعب ولا باطل ولا سحر ولا كهانة ولا خرافة وإذا كان قومك لم يزالوا يتمارون بتقولاتهم وترهاتهم تلك، فدعهم يا حبيبي ولا تبال بهم ولا يهمك أمرهم وما يريدونه بك «إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ» ويحيكون لك «كَيْداً ١٥» حقدا ويدبرون لك حيلة تافهة يسيرة ليمكروا بك «وَأَكِيدُ» أنا الملك الجبار قاهر الأكاسرة ومبيد الأمم «كَيْداً ١٦» عظيما لا يقدر قدره البشر جزاء كيدهم بك فأستدرجهم لهوة هلاكهم من حيث لا يعلمون، فأنتقم منهم في الدنيا بالقتل والأسر والذلة والحقار والجلاء وبالآخرة بعذاب لا تطيقه أجسامهم، وإذا كان كذلك وهو واقع لا محالة «فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ» أنظرهم وافسح لهم المجال ولا تستعجل بالدعاء عليهم ودعهم يطيلون أملهم ليزدادوا غرورا وتطاولا في البغي والغي والطغيان. ولمّا كان الإمهال يكون كبيرا بعيدا أو قليلا قريبا نبه عليه بقوله «أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً ١٧» شيئا يسيرا ومدة جزئية، فالعذاب آتيهم لا محالة وفيها تهديد عظيم ووعيد بالغ وقد أخذهم الله بعد نزول آية السيف وأمره بقتالهم، ثم فتح الله عليه بلدهم عنوة ومكنه منهم حتى صاروا كلهم من طلقائه وهذه الآية من الإخبار بالغيب المنوه به مما تأخر حكمه عن نزوله، راجع سورة الكوثر المارة وما نرشدك اليه، لأن فيها الماعا لاجتماعهم في دار الندوة وتشاورهم في أمر إهلاكه أهلكهم الله، كما سيأتي تفصيله في بحث الهجرة في سورة العنكبوت في ج ٢. هذا ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت به هذه السورة في اللفظ ولم تكرر في القرآن أيضا، هذا والله أعلم، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله وسلم على سيدنا