الآية ٧١ من سورة الشعراء ج ١ فقد أضاف المرض لنفسه تأدبا مع الله مع أنه لا يشك أنه من الله لأن الله يوقعه في العبد عقوبة إسرافه في الأكل والشرب وعدم وقايته من الحر والبرد، إذ لا سبب للمرض ظاهرا غير هذين، وما يطرأ عليه من الكسر والجروح، ونسب الشفاء لله، وهكذا يجب على كل عاقل أن ينسب ما يصيبه من شرّ مهما كان لنفسه، وما يصيبه من خير لربه، ولهذا يقول الله تعالى «فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ» أعميت قلوبكم حتى صاروا «لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً»(٧٨) فيعلمون أن موقع الخير والشر في العبد هو الله وحده، ويقولون «ما أَصابَكَ» أيها الإنسان على العموم ويجوز أن يكون المخاطب سيد المخاطبين والمراد به غيره كما مر غير مرة «مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ» مكافأة لما قدمت من خير وتقوى ومجاملة «وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ» عقابا لما اقترفته من شر وفسق وفظاظة، وقد جاءت الآية الأولى على الغيبة، وهذه على الخطاب بطريق التلوين والالتفات وهو من محسنات البديع في الكلام إيذانا بمزيد الاعتناء بفهم المراد من قوله عز وجل، واهتماما يردّ اعتقاد أهل الباطل وزعمهم الفاسد وإشعارا بان ذلك مبني على كلمة دقيقة حريّة بان يتولى بيانها علام الغيوب، واعلم أنه لا تعلق للقدرية في هذه الآية إذ ليس المراد من الحسنة حسنة الكسب من الطاعات، ولا السيئة المكتسبة من المعاصي، بل المراد كل ما يصيب الإنسان من النعم والنقم، وهذا ليس من فعل الإنسان لأنه لا يقال في الطاعة والمعصية أصابني، بل أصبتها، ويقال في النعم والنقم أصابني بدليل عدم ذكر الثواب والعقاب، وهي كقوله تعالى (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ) الآية ١٣١ من الأعراف ج ١، ولهذا قدرنا كلمه يقولون قبل قوله تعالى ما أصابك حتى لا يتناقض مع قوله (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) في الآية المتقدمة، لأن السيئة وإن كانت من عمل صاحبها فهي بتقدير الله تعالى، إذ شاء لما تركه يفعلها، فأصبح الكل من الله، ألا إن الخير برضاه، والشر بقضاه، تأمل. «وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا» يا حبيبي لتبشرهم وتنذرهم «وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً»(٧٩) على إرسالك للناس كافة لا للعرب فقط كما تقوله اليهود وغيرهم ممن حذا حذوهم «مَنْ يُطِعِ