أو كلهم بالاشتراك «لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً»(٨٢) وتفاوتا جزيلا وتناقضا عظيما من حيث الشرك والتوحيد والتحليل والتحريم والبيان والفصاحة والبلاغة لعظمه وتكرر آياته ولكنه من عند الله، لذلك لا يرى فيه شيئا من ذلك البتة فضلا عن أنه بالعا الغاية من حيث المبنى والمعنى، ولهذا احتج فيه على صحة نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم والإخبار بالغيوب لسلامته من الاختلاف والتناقض، وإن كلام الغير مهما كان فلم يكن على وتيرة واحدة بالفصاحة والبلاغة وتصديق بعضه لبعض، لأن منه ما هو فائق حد الاعجاز باللفظ، ومنه ما هو قاصر عنه، ومن حيث المعاني فبعضه إخبار يوافق المخبر عنه، وبعضه إخبار مخالف للمخبر عنه، وقسم منه دال على معنى صحيح عند علماء المعاني، وقسم منه دال على معنى فاسد غير ملتئم. أما ما قاله بعض الملحدين من وجود الاختلاف في القرآن العظيم محتجا في قوله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) الآية ٢٤ من سورة القيمة في ج ١، وقوله تعالى (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) الآية ١٠٤ من سورة الأنعام ج ٢ وقوله تعالى (ثُعْبانٌ) في الآية ١٠٧ من سورة الأعراف مع قوله (جَانٌّ) في الآية ١١ من سورة النحل ج ١ وفي قوله (لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) في الآية ٩٣ من سورة الحجر ج ٢ مع قوله (لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ» في الآية ٤٠ من سورة الرحمن الآتية. فما هو لفظا ومعنى يراه الجاهل مخالفا وهو في الأصل واحد كما بينا ذلك كلا في محله، فليرجع إليه في تفسير تلك الآيات ليعلم أن الاختلاف من مفترياته والتناقض من عاداته، والتباين من فهمه السقيم، وما قوله إلا بهت محض ناشيء عن خلل في عقله، وعمه في بصيرته، راجع الآية ٧ من آل عمران المارة. هذا ومن هذا القبيل الذي تقوّل به المنقولون الذين أذهب الله مفكّرتهم وطمس على قلوبهم ما قاله الكفرة قديما ومن حذا حذوهم بعد إن هذا القرآن من كلام محمد صلّى الله عليه وسلم! ومن أين لمحمد أن يأتي بمثله وقد تحدى الله الخلق أجمع على الإتيان بسورة من مثله؟ لأن ظاهر كلامه وباطنه لا يضاهي قول البشر من كل وجه، ولا كلام محمد على ما هو عليه من الفصاحة والبلاغة يشبه كلام ربه.
قال تعالى «وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ» من خبر السرايا المبعوثة من قبل