«إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ» مما أصابكم أو يصيبكم من الجراح والقتل والأسر «فَإِنَّهُمْ» أعداؤكم «يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ» أنتم لأنهم بشر مثلكم «وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ» أيها المؤمنون من الثواب والسعادة في الآخرة والشفاء والخير في الدنيا «ما لا يَرْجُونَ، شيئا من ذلك، وقد يكون لهم الشفاء في الدنيا، أما العذاب في الآخرة فهو محتم لهم، وهذه الميزة العظيمة لكم دونهم فضلا عن أن الله وعدكم العز في الدنيا والسعادة في الآخرة وأوعدهم الهوان في الدنيا والعذاب في الآخرة «وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً»(١٠٤) فيما يفعل ويقدّر.
يفيد صدر هذه الآية أن القصر مشروط بوجود الخوف، وأن عدم الشرط يوجب عدم المشروط، إلا أن الآية سكتت عن حال الأمن، وقد ثبت القصر فيها بخبر الواحد وإثبات الرخصة بخبر الواحد في حال الأمن إثبات لحكم سكت عنه القرآن ولا مانع من الأخذ بذلك، وإنما بمتنع الأخذ بالأخبار إذا خالفت صراحة ما دل عليه القرآن ويكون التقييد بالخوف على الغالب فضلا عن أن صلاة الخوف هي غير صلاة الأمن كما علمت مما بين الله لنا أخرج مسلم عن أبي يعلى بن أمية قال قلت لعمر بن الخطاب ليس عليكم جناح الآن فقد أمن الناس، فقال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله عن ذلك فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته.
أي بما أن الله تعالى تصدق عليكم بالقصر في الخوف فاقبلوا صدقة بالأمن أيضا، لأنه لم ينه عنه فيه، وأخرج النسائي عن عبد الله بن خالد بن أسيد أنه قال لابن عمر كيف تقصرون الصلاة وإنما قال تعالى (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ) الآية؟ فقال ابن عمر يا ابن أخي إن رسول الله أتانا ونحن في ضلالة فعلّمنا، فكان مما علمنا أن أمرنا أن نصلي ركعتين في السفر، وأخرج الترمذي والنسائي عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم خرج من المدينة إلى مكة لا يخاف إلا الله رب العالمين، فصلّى ركعتين، ولنا فيه أسوة. هذا وإن الصلاة في السفر مقصورة أفضل لما روي عن عائشة قالت فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين ثم أتمها في الحضر وأقرّت صلاة السفر على الفريضة الأولى. وفي رواية فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيدت في صلاة الحضر أخرجاه في الصحيحين.