بها وقالوا سحر مستمر ولكنه زائل مهما بقي «وَكُلُّ أَمْرٍ» يأتي به الرسول لا يكون سحرا وإنما هو حق ثابت «مُسْتَقِرٌّ ٣» لا يتغير ولا يتبدل ويتبين أنه حق وهذه جملة مستأنفة مسوقة للرد على الكفار بمقابلة قولهم سحر مستمر، وإنما قالوا مستمر
، لأن السحر لا يدوم وهو كذلك ولكنهم لما رأوا آيات الرسول متتابعة قالوا إن ما يأتي به سحر ولكنه مستمر «وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ» أخبار الأمم الماضية التي قصها عليهم والمعجزات التي أظهرها على أيدي رسلهم من غير آيات محمد «ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ ٤» منتهى الاتعاظ لو كانوا يؤمنون بمحمد وما أنزل عليه ولكنهم لم يتعظوا وأصل مزدجر مزتجر أبدلت التاء دالا لأنها حرف مهموس والزاي حرف مجهور فأبدل التاء المهموس بالدال المجهور ليتناسبا، وهكذا كل تاء من هذا القبيل ومعناه الزجر والمنع. واعلم أن هذا القرآن وحده «حِكْمَةٌ بالِغَةٌ» واصلة حد الإحكام في الوعظ فاذا لم ينتهوا به «فَما تُغْنِ النُّذُرُ ٥» أي الأنبياء والرسل بعد القرآن «فَتَوَلَّ» يا سيد الرسل «عَنْهُمْ» فانهم لم ينتفعوا بوعظك وإرشادك لأنهم بعد اعراضهم عن إنذار الله لا يغنيهم إنذارك شيئا فاتركهم واذكر لهم «يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ» إسرافيل عليه السلام ويناديهم ببوقه في النفخة الثانية من قبورهم يقول لهم هلموا «إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ ٦» فظيع هائل ينكرونه لعدم رؤيتهم مثله قبل وما قيل ان هذه الآية منسوخة لا قيمة له لأنه لم يؤمر بعد بقتالهم بل بإرشادهم تدريجا لأن الحكمة الإلهية اقتضت إنزال الشرائع تدريجا أمرا ونهيا ووعدا ووعيدا وإرشادا وانذارا وتبشيرا وتهديدا، وهكذا من المقدمات التي اقتضتها الحكمة الإلهية ليتعظ من يتعظ، وتحق الكلمة على المصر، وتظهر الحكمة فيمن يؤمن فيقومون من مدافنهم «خُشَّعاً» منصوب بالفعل بعده وفيه معنى الحال «أَبْصارُهُمْ» ذليلة خاضعة خائفة حين «يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ» القبور وما شابهها من مكامنهم وخص الأبصار مع أن كل الأعضاء ترجف وتختلج من شدة الهول، لانها علامة على الحزن والذلة للأشقياء، والفرح والعزة للسعداء، قال: