للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ سُوءٍ»

المسيء لكم «فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا» لإساءة عباده ولم يزل كذلك «قَدِيراً» (١٤٩) على الانتقام ممن لا يتحلى بالصفات الممدوحة منكم حالا، ولكنه يمهلكم فلا يعجل عقوبتكم لعلكم ترجعون وتتوبون، بخلاف خلقه فإنهم سريعو الانتقام إذا قدروا عليه، ولهذا قال صلّى الله عليه وسلم تخلّقوا بأخلاق الله فاعفوا ممن أساء إليكم وتشبهوا بأخلاق بارئكم، واعلموا أن الله تعالت قدرته مطلع على أعمالكم ونياتكم، ولم يهمل شيئا ولم يعزب عن علمه شيء فراقبوه واخشوا سطوته. واعلموا أن عدم المحبة هنا كناية عن عدم سخطه، ولذلك صح الاستثناء المتصل أي فإنه غير مسخوط عنده تعالى، لا إنه يحب جهر المظلوم بالسوء على ظالمه، لأنه تعالى دائما يحب العفو ويرغب فيه، إلا أنه أجاز شكوى المظلوم وإظهار أمر الظالم ليتباعد الناس عنه ويعرفوه. قال مقاتل قال رجل من أبي بكر بحضرة الرسول فسكت عنه مرارا ثم رد عليه، فقام صلّى الله عليه وسلم فقال أبو بكر يا رسول الله شتمني فلم تقل له شيئا حتى إذا رددت عليه قمت! قال كان ملك يجيب عنك فلما رددت عليه ذهب وجاء الشيطان، فنزلت هذه الآية. وقيل نزلت فيمن لا يحسن ضيافة الضيف فيخرج فيقول أساء ضيافتي. قال العلماء لا يجوز إظهار أحوال الناس المستورة لأن ذلك بسبب الوقوع للناس بالغيبة وللشخص بالريبة لكن المظلوم يجوز له إظهار مظلمته فيقول سرق أو غصب أو نحو ذلك، وإن شتم جاز له الرد بلا زيادة لقوله تعالى (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) الآية ١٩٥ من البقرة المارة وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال قال صلّى الله عليه وسلم المستعبّان ما قالا فعلى الأول. وفي رواية فعلى البادي منهما حتى يتعدى المظلوم. وقد أسهبنا البحث في هذا الشأن في الآية ٤٣ من سورة الشورى في ج ٢ والآيتين ١٩١/ ١٩٣ من سورة البقرة المارة فراجعها. قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ» فيقولون إن الإيمان بالله غير الإيمان بالرسل، والحال أنه لا يصح الإيمان بأحدهما دون الآخر «وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ» الكتب والرسل كاليهود والنصارى «وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ» الكتب والرسل، مع أن الكافر بواحد منهما كافر بالجميع، ولا ينفع التصديق بواحد دون الآخر كما نوهنا به في

<<  <  ج: ص:  >  >>