وجهك أحب الوجوه إليّ، والله ما كان دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدّين كله إلي، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فبشره النبي صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل أصبوت؟ قال لا، ولكن أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروي عن عمران بن حصين قال أسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بني عقيل فأوثقوه، وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب رسول الله، فقداه رسول الله بالرجلين الّذين أسرتهما ثقيف- أخرجه الشّافعي في مسنده وأخرجه مسلم وأبو داود- فعلى هذا يكون القول بالنسخ لا وجه له.
فيا أيها المؤمنون داوموا على هذه الحالة، فاقتلوا وأسروا وأبقوا الأسرى «حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها» أثقالها من سلاح وغيره من أدوات الحرب ولوازمها فيعزّ الله المسلمين بنصره ويخذل الكافرين «ذلِكَ» الحكم في الأسرى فافعلوه «وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ» فأهلكهم وأسرهم بغير قتال ولكفاكم أمرهم «وَلكِنْ» لم يفعل وقد أمركم بقتالهم «لِيَبْلُوَا» يمتحن ويختبر «بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ» وليثيب المؤمن بالشهادة أو السّعادة ويعاقب الكافر بالخيبة والنّار «وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» منكم أيها المؤمنون أو سلموا «فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ»(٤) بل ينميها لهم ويثيبهم عليها وأنه «سَيَهْدِيهِمْ» بالدنيا إلى طرق الرّشاد «وَيُصْلِحُ بالَهُمْ»(٥) فيها ويوفقهم للسداد إذا سلموا من القتل «وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ» في الآخرة إذا قتلوا ويفيض عليهم من خيرها ونعيمها وقد «عَرَّفَها لَهُمْ»(٦) إذ وصفها لهم بالدنيا، فيكونون في الآخرة أعرف بمواقعهم فيها من دورهم في الدّنيا فلا يحتاجون إلى دليل يدلهم على منازلهم فيها، هذا إذا كان الفعل مأخودا من التعريف وإذا كان من العرف وهو الرّائحة الطّيبة فيقال طيبها لهم بالطيب، وكلاهما جائز. قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ» فتنضموا إلى حزبه لإعلاء كلمته «يَنْصُرْكُمْ» على عدوكم «وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ»(٧) عند القتال في الدّنيا وعلى الصّراط في الآخرة