لا حامضة ولا مرة ولا حريقة ولم تدنس بعصر الأيدي ولا بدوس الأرجل كخمر الدنيا ولا غول فيها يذهب العقل ويصدع الرّأس ويقيء الطّعام، راجع الآية ٤٤ من سورة الصّافات ج ٢ تجد ما يتعلق بالفرق بينهما «وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى» لا شمع فيه ولم يخرج من بطون النّحل فيوجد منه ميتا فيه مما تستقذره النفس، بل هو خالص من كلّ الشّوائب جاء عن حكيم بن معاذ عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن في الجنّة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللّبن وبحر الخمر، ثم تشقق الأنهار بعد- أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح- وروى مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيحان (نهر اورقه غير سيحون) وجيحان (نهر المصيصة في بلاد الأرمن غير جيحون) والفرات ونيل مصر كلّ من أنهار الجنّة أي مادتها من مادة أنهار الجنّة من حيث الطّعم واللّون، لا أن منبعها من هناك لأن منابعها الظّاهرة في الدّنيا مشهودة ومعلومة ومشهورة، وان قول حضرة الرسول من أنهار الجنّة لا يعني أن منابعها منها بالنسبة لما نراه وبالنظر لواقع الحال أما في الحقيقة فلا يعلمها إلّا الله لأن ظاهر علمنا يقتصر عند ظاهر منابعها ولا نعلم من أين يأتي ذلك، وليس محالا على الله أو مستحيلا عليه إن جعل أصل منبعها من الجنّة أو من فوقها أو من تحتها، والله على كلّ شىء قدير. وعلينا أن نصدق بما جاء عن الرّسول في هذه وغيرها لأنه لا ينطق عن هوى، وقد أمرنا الله بأن نأخذ ما يأتينا به وننتهي عما ينهانا عنه كما يأتي في الآية ٧ من سورة الحشر. قال تعالى «وَلَهُمْ فِيها» أي الجنّة ذات الأنهار المذكورة «مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ» مما عرفه البشر أو لم يعرفه يتفكهون فيها «وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ» أيضا زيادة على ذلك كله، ورفع التكاليف عنهم فيما يأكلون ويشربون بخلاف فواكه الدنيا فإنهم قد يحاسبون عليها هل هي من حل أم لا، وهل أسرف فيها أم لا، وهل رزق غيره منها أم لا، أما المغفرة عن الذنوب فتكون لأهل الجنّة قبل دخولها فمثل هؤلاء المؤمنين الكرام ليس «كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ» من الكفرة اللئام «وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ»(١٥) لشدة حرارته. وبعد أن بين تعالى حال أهل الجنّة وأهل النّار طفق يذكر بعض مثالب المنافقين، فقال