الواقعة موقع الاستفهام عن نعمه تعالى على عباده. وبعد أن ذكر جل ذكره ما أوعد به الكافرين أعقبه ببيان ما وعد به المؤمنين فقال «وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ»(٤٦) واحدة لقاء عمله في الدّنيا من طاعة وصدقة وبرّ وتركه المعاصي خوفا من الله وعمله الطّاعات طمعا بفضل الله، وأخرى تفضلا منه تعالى إيفاء بوعده المبين بقوله جل قوله (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) الآية ٢٧ من سورة يونس في ج ٢، لأنه لا يخافه حق خوفه إلّا العارف العالم. قال تعالى (إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) الآية ٢٨ من سورة فاطر، والآية ٥٧ من سورة الإسراء في ج ١ الدّالتين على أن الأقرب من الله أشد خوفا منه من غيره أخرج الترمذي عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول من خاف أدلج (الإدلاج بالتخفيف السّير أول اللّيل وبالتشديد آخره) ومن أدلج بلغ المنزل، ألا ان سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنّة. وروى البغوي بسنده عن أبي ذر أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقص على المنبر وهو يقول (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) أي موقفه يوم الحساب بين يدي ربه، فمن حسب حسابه واتقى ربه في الدّنيا يكون له في الآخرة جنتان، فقلت وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ فقال وإن زنى وإن سرق، ثم قال (لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) فقلت الثانية وإن زنى وإن سرق؟ فقال وإن زنى وإن سرق، ثم قال (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) فقلت الثالثة وإن زنى وإن سرق يا لرسول الله؟ قال وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبى ذر. «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٧) ذَواتا أَفْنانٍ» (٤٨) أغصان مستطيلة كثيرة، والفنّ الغصن من الشّجرة المستقيمة طولا قال:
ومن كلّ أفنان اللّذاذة والصّبا ... لهوت به والعيش أخضر ناضر
وفي كلّ غصن من أغصان تلك الجنان فنون من الفواكه، مما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، ومن هنا أخذ تطعيم الأشجار المتقاربة في الثمر الذي عرفه خبراء الزراعة حديثا وطبقوه؟ فأمكن لهم أن يطعموا شجرة واحدة بأنواع مما يشابهها فتأكل من الشّجرة الواحدة أصنافا من الفاكهة «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٩) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ» (٥٠) على أرضهما بلا أخدود الأولى التسنيم المذكورة