لهم إن الذي أوجده بعد أن لم يكن، كيف يمتنع عليه إعادته بعد موته؟ ثم بين كيف كان وما آل إليه فقال عز قوله مرّ «عَلَى الْإِنْسانِ» آدم عليه السّلام في بداية خلقه «حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ» مدة كثيرة وهي من معاني الحين «لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً»(١) ولم يدر ما هو وما يراد به لأنه عبارة عن هيكل مصنوع من طين لا حراك به. وهذا الاستفهام على المعنى الثاني تقريري يجاب ببلى أي أنه مر عليه زمن طويل وهو مجندل مصور من الطّين لم يذكره ولم يعلم بأنه سيكون بشرا، وتتولد منه هذه الخلائق وما قيل أن آدم صور وطرح بين مكة والطّائف ينفيه ما رواه مسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما صور الله آدم في الجنّة تركه ما شاء الله أن يتركه، فجعل إبليس يطوف به وينظر إليه فلما رآه أجوف علم أنه خلق لا يتمالك أي لا يملك نفسه ويحبسها عن الشّهوات، وإذا كان كذلك فمن الممكن التسلط عليه وإغواؤه، قال تعالى «إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ» المذكور بعد أن كوناه من التراب جعلنا ذريته مخلوقة «مِنْ نُطْفَةٍ» حقيرة «أَمْشاجٍ» ممزوجة من ماء المرأة والرّجل يقال مشجت الشّيء بمعنى مزجته وخلطته، وإنا بعد أن خلقناه على هذه الصّورة «نَبْتَلِيهِ» فنختبره ونمتحنه بأوامرنا ونواهينا بعد أن نركب فيه العقل ونصيّره قادرا على تمييز الخير من الشّر «فَجَعَلْناهُ» بعد تمام خلقه وكمال حواسه على الصّورة المبينة في الآية ١٧ فما بعدها من سورة المؤمن ج ٢ «سَمِيعاً بَصِيراً»(٢) قدم السّمع على البصر لأنه أفضل منه، لأن الأعمى يمكن التفاهم معه بخلاف الأطرش، وخصّ هاتين الحاستين من بين الحواس العشر المشار إليها في الآية ٧٣ من سورة يوسف ج ٢ لعظم فضلهما «إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ» السوي في دنياه وبينا له عاقبة الخير والشّر وأعطيناه عقلا يميز به النّفع من الضّر، وجعلنا له الخيار فيما يريد «إِمَّا شاكِراً» يكون لنعمنا هذه مقدرها حق تقديرها موحدا لإلهيتنا مؤمنا بقدرتنا آخذا بإرشاد رسلنا «وَإِمَّا كَفُوراً»(٣) بذلك جحودا لما أوليناه من النّعم كافرا برسلنا وكتبنا. هذا، وقال ابن عباس إنه بقي مئة وعشرين سنة، يريد أربعين سنة طينا وأربعين صلصالا، وأربعين حمأة، وقال الفخر إن الحين له معنيان الأوّل أنه طائفة