بن عباس، وهو أول من وضع الموائد على الطّريق وكان إذا خرج الطّعام من بيته لا يرد منه شيئا بل يتركه لمن يأكله وهو أول من وضع الطّعام على الطّرق للمسافرين والقافلين، وهذه سنة لم يسبقه بها أحد من أجواد الجاهلية والإسلام مثل حاتم وهرم بن سنان وكعب بن مامه وغيرهم. قالوا وقد جدد هذه السّنة الأخيرة من أكارم العرب صفوك الجرياء شيخ عشائر شمر في الجزيرة جد مشعل باشا الموجود الآن وجد عجيل الياور القاطن في الموصل كثر الله الكرام وأدام نعمه عليهم في الدنيا والآخرة. ومما قاله معدن الكرم عبد الله بن عباس:
وباكرني في حاجة لم يجد بها ... سواي ولا من نكبة الدّهر ناصر
فرجت بما لي همه من مقامه ... وزايله هم طروق مسافر
وكان له فضل عليّ بظنه ... بي الخير إني للذي ظن شاكر
ومن مروءة ابن عمه عبد الله بن جعفر أنه أسلف الزبير الف درهم، فلما توفي الزبير قال ابنه عبد الله له اني أجد في كتب أبي أن له عليك الف الف درهم قال هو صادق فاقبضها إن شئت، ثم لقيه بعد ذلك، فقال يا أبا جعفر اني واهم المال لك على أبي، قال فهو له، فقال لا أريد ذلك، قال فاختر إن شئت فهو له، وإن كرهت ذلك فلك فيه نظرة ما شئت، فانظروا أيها النّاس أين هؤلاء الكرام ألا يوجد من يتأسى بهم فينال الثناء من النّاس في الدّنيا والثواب من الله في الآخرة، ولكن النّاس ويا للأسف حرصوا على الدّنيا بحبّهم لحطامها الذي يسهل لهم كلّ شيء كما قيل:
وإذا رأيت صعوبة في مطلب ... فاحمل صعوبته على الدّينار
وابعثه فيما تشتهيه فإنه ... حجر يلين قوة الأحجار
فخير للناس من أن يجمعوه ويتركوه فيحاسبوا عليه أن يصرفوه في طرق الخير، وينالوا ثوابه، اللهم وفقنا لما فيه خيرنا وفلاحنا. قال تعالى «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا»
(٢٣) كثيرا، المرة بعد المرة لأن التشديد يفيد التكثير والتضعيف، إذ أنزل آية آية، وخمس خمس، وسورة سورة، كما اقتضته حكمة الله.