(١) الواضحة على إبطال معتقدهم ذلك، وهذه البينة «رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ» وهو محمد صلّى الله عليه وسلم «يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً»(٢) عما يلوكه كفرة أهل الكتابين والمشركون «فِيها» في هذه الصّحف المقدسة «كُتُبٌ» مكتوبات «قَيِّمَةٌ»(٣) عادلة مستقيمة ناطقة بالحق، وإنما سمي عليه السّلام بيّنة هنا لإتيانه بالقرآن العظيم الذي هو أبين من جميع الكتب والصّحف السّماوية، وقد أوضح وأبان ما فيها وأراد بالصحف القرآن العظيم لأنه مسطور عند الله على صحف جليلة في لوحه المكنون العالي، وأراد بالكتب كتب الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام، لأن معناها كله مندرج في القرآن الكريم لاشتماله على معنى جميع ما أنزله على الرسل قبله، فصارت كأنها فيه، قال تعالى (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) الآية الأخيرة من سورة الأعلى في ج ١ ويأتي لفظ كتب بمعنى مكتوبات أي أحكام عظيمات قاسطة مدونة فيها. قال تعالى «وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» أي ما كان اختلاف اليهود والنّصارى وتفرق آرائهم في أمر محمد عليه الصّلاة والسّلام ورسالته وكتابه «إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ»(٤) في كتبهم وظهر لهم ظهور نار على علم وتوضح لديهم أنه نبي آخر الزمان الموصوف في كتبهم والذي أخذ عليهم العهد بالإيمان به من قبل أنبيائهم، وكانوا قبل ظهوره مجمعين على تصديقه حتى انهم يستنصرون به كما مر في الآية ٩٠ من سورة البقرة ويستسقون باسمه ويقولون لا ننفك على ما نحن عليه من الدّين ولا نترك شيئا منه حتى يبعث النبي الموعود به على لسان الرّسل المكتوب منه في التوراة والإنجيل، فلما بعث صلّى الله عليه وسلم تفرقت كلمتهم واختلفوا عليه، فمنهم من آمن به بتوفيق الله إياه، ومنهم من كفر به بخذلانه له، وكذلك المشركون لتوغلهم في حب الدّنيا وزخارفها وحرصهم على بقاء الرّياسة لهم فيها، وصار الأمر على العكس بأن كان تفرقهم وبقاؤهم على ما هم عليه واختلافهم بمجيء الرّسول الذي كانوا ينتظرونه. ونظير قولهم هذا قول الفاسق الفقير لمن يعطيه لا أنفك عما أنا فيه من الأفعال القبيحة حتى يرزقني الله الغني فإذا أغناه ازداد فسقا فيقول واعظه لم تكن منفكا عن الفسق حتى توصر وما غمست رأسك بالفسق إلّا بعد اليسار، فيذكره ما كان يقوله قبلا توبيخا