الأنفال المارة هي أن حضرة الرّسول صلّى الله عليه وسلم بعد قتل رئيسهم كعب في بضعة أشهر في شهر ربيع الأوّل السّنة الرّابعة من الهجرة الشّريفة غزاهم بأصحابه الكرام فوجدهم لم يزالوا ينوجون على رئيسهم، فأمرهم بالخروج من قريتهم المسماة الزهرة، فقالوا له الموت أقرب، وكان المنافقون عبد الله بن سلول وأصحابه دسّوا لهم بأن لا يخرجوا وتعهدوا لهم بالمعونة والنّصرة على قتال محمد وأصحابه وانهم لا يخذلونهم أبدا فحصّنوا أزقة المدينة، وأجمعوا على الغدر برسول الله، وتنادوا في الحرب فيما بينهم، وقالوا لحضرة الرّسول، أخرج علينا في ثلاثين من أصحابك وليلقاك ثلاثون حبرا منا، فإن آمنوا بك آمنا، فخرج الفريقان إلى براز في الأرض، وإنما وافقهم رسول الله على هذا، وهو إنما جاء عامدا لقتالهم حرصا على دخولهم في الإيمان، فلما خرجوا قال اليهود بعضهم لبعض كيف نخلص إليه وكلّ أصحابه يحب الموت دونه؟ فاتفقوا على أن يخرج الرّسول في ثلاثة من أصحابه فقط ويقابله ثلاثة من أحبارهم، لأن التفاهم لا يحصل بين ستين رجلا، فخرج إليهم صلّى الله عليه وسلم في ثلاثة من أصحابه ولم يدر ما دبروه إليه من الكيد، ولم يخبره ربه بشيء، فتقدم أحبار اليهود مدججين بالسلاح ليفتكوا به، فأخبرت امرأة منهم أخاها المسلم بما دبّروه له من الكيد والمكر، فأقبل مسرعا وأدرك الرّسول قبل أن يتصل باليهود وأخبره الخبر، فرجع صلّى الله عليه وسلم وعرفوا ذلك، فرجعوا أيضا ولم يكلموه، إذ علموا أنه اطلع على مكرهم قالوا فلما كان الغد صبحهم رسول الله بالكتائب وألقى الله في قلوبهم الرّعب، فلم يخرجوا إليه فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة وهم ينتظرون نصرة المنافقين الّذين وعدوهم بالمعونة ولما أيسوا منهم طلبوا الصّلح من رسول الله، فأبى إلّا أن يخرجوا من ديارهم على ما يأمرهم به، فقبلوا، فأمرهم بالجلاء على أن لهم ما أقلت إبلهم من أموالهم عدا السّلاح، فخرجوا وهاجروا إلى أذرعات من أرض الشّام وأريحا من أرض فلسطين، (والجلاء هو الخروج بالأهل من الوطن إلى مكان آخر عنوة) وتركوا ديارهم وعقارهم وسائر أموالهم غنيمة للمسلمين، أما آل أبي الحقيق وآل حيي بن أخطب منهم فإنهم لحقوا بخيبر، ولحقت طائفة منهم بالحيرة، وأنزل الله هذه السّورة بعد الواقعة بسنتين يعدد فيها نعمه على عبده، ويذكره